المقالات

رئاسة الجامعة والمفهوم الإستراتيجي

حينما كان مُسمى من يقود الجامعة (مدير)، كانت الأساليب والطرق التي ينتهجها المدير تنصب على تسيير العمل الأكاديمي وإدارة شئونه بأقل قدر ممكن من المشكلات، ومحاولة تحقيق وظائف الجامعة التقليدية التي قامت عليها، وهي: (التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع)، وحين تطور الفكر الأكاديمي العالمي، وتوسعت تلك الوظائف، أصبحت الجامعة مؤسسة اجتماعية واقتصادية لها إسهامات واسعة في المجتمعات وتنافسية الدول نحو التقدم. فقامت وزارة التعليم بإحداث تغييرات جذرية لمواكبة تلك التغيُّرات حيث تم التغيير من (مدير الجامعة) إلى مسمى (رئيس جامعة)؛ ليتسق هذا التغيير مع المفهوم الإستراتيجي الحديث، وكان الهدف الذي تسعى إليه الوزارة واضحًا وجليًّا، وهو اختيار رؤساء يتسق أداؤهم مع مشروع الاستقلالية الذي طبقته الوزارة على ثلاث جامعات سعودية هي: (جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الإمام عبد الرحمن الفيصل)، ولازال مشروع الاستقلالية مستمرًا لتطبيقه على بقية الجامعات، وقد وضعت الوزارة لهؤلاء الرؤساء المكلفين برئاسة الجامعات حوافز ضخمة وصلاحيات تنفيذية واسعة؛ لتحقيق هذه الاستقلالية كرؤساء تنفيذيين يعملون وفقًا لإستراتيجيات المشروع بتعظيم العوائد وتقليص الهدر، ويعملون في ذات الوقت في نطاق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة؛ حيث ينطلق عملهم من إدراك مفهوم الاستقلالية والاستدامة المالية، ومن ثم يقومون بالتطوير المستمر واستغلال كافة الإمكانات التي وفرتها الدولة -رعاها الله- بأن يهتم كل رئيس جامعة بتحسين برامجها ومواردها المالية بالسعي المستمر لتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ وذلك من خلال فرق العمل التي تقوم بمراجعة وتطوير العمل الأكاديمي ككل، وتحقيق انسجامه مع الطلب الحالي والمستقبلي والتغيرات الحاصلة في سوق العمل، وكذلك مراجعة مستوى الجودة والمقارنات العالمية (المقارنة المرجعية) للوصول لمستويات عالية من الأداء المتميز.. الأمر الذي يمكن معه تحقيق الجاذبية ودعم الطلب على البرامج، وفتح مجالات أرحب لتطوير الموارد والسعي لتحقيق أعلى مستويات الطلب الدولي على برامج الجامعات السعودية تحقيقًا لمستهدفات الرؤية الوطنية وتدويل التعليم، وبالرغم من ذلك وبنظرة حيادية للواقع نجد بعضًا ممن تم تعيينهم رئيسًا للجامعة لازال متدثرًا بعباءة المدير ويمارس نفس الطرق والأساليب القديمة التي تنصب على التسيير الإداري البحت مع أداء ضعيف فيما يخص التطوير والاستقلالية؛ حيث يتعارض ذلك تعارضًا جليًّا مع التوجهات الحكومية نحو التطوير وتحقيق الاستدامة؛ وبخاصة مع بروز نجاحات منقطعة النظير حققتها المملكة ولله الحمد في مجالات أخرى غير التعليم، ولعلي هنا أشيد بجهود وزارة التعليم في سعيها الحثيث وجهدها الدؤوب لمحاولة تحقيق مستويات عالية من الأداء بكافة قطاعات التعليم والتدريب وتركيزها الواضح؛ لتحقيق الكفاءة المالية، ودعم تنوع واستدامة الموارد والاستثمار التعليمي وبنفس الوقت الحفاظ على مستويات الجودة المطلوبة للتنافسية العالمية؛ فلذا ينبغي إعادة النظر في وضع بعض الرؤساء الحاليين وتقييم أدائهم وفقًا للرؤية التي تسعى الوزارة لتحقيقها وتماشيًّا من التوجهات الطموحة التي حددتها الرؤية الوطنية لتطوير التعليم، وتقديم برامج أكاديمية منافسة عالميًّا، وتحقيق التقدم العالمي في التصنيفات الدولية. حيث سيكون لهذا الأمر انعكاسات إيجابية مباشرة على تطور الأداء الإستراتيجي للجامعة كنظام مؤسسي؛ فتصبح قادرةً على التنافسية والتسويق واستغلال الفضاءات الرحبة للاستثمار الداعم للاستدامة المالية عبر الشراكات والتحالفات مع القطاعات الاقتصادية والمجتمعية، ومن الأسس المعروفة في علم الإدارة الإستراتيجية أن ثمة مواصفات قيادية وفكرية للقائد الإستراتيجي تُمكنه من تحقيق الأهداف التنفيذية بشكل مميز بأقل تكلفة وأعلى منفعة ومن أبرزها: التحلي بمواصفات القيادة الإستراتيجية والفكر الاستراتيجي التي تتمثل في الرؤية الاقتصادية والأكاديمية الواسعة، والحفز الإلهامي والذكاء التنافسي والكاريزما الملهمة كما أن هناك مقاييس يمكن الإفادة منها في عملية الاختيار والتعيين لاختيار رؤساء يمكن من خلالهم تحقيق الآمال والطموحات التي تسعى الوزارة لتحقيقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى