المقالات

مِنْ أَجْل كَرامَة الإنْسان… المملكة تشارك العالم احتفاله باليوم العالمي لمكافحة “الاتجار بالأشخاص”

توطئة

عَرَفَ المُنظم السعودي مصطلح “الاتجار بالأشخاص” في المادتين (2،1) من نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/٤٠) وتاريخ ٢١/ ٧/ ١٤٣٠هـ،بقولهما الاتجار بالأشخاص هو استخدام شخص، أو إلحاقه، أو نقله، أو إيواؤه، أو استقباله من أجل إساءة الاستغلال، ويحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو الاحتيال عليه أو خداعه أو خطفه، أو استغلال الوظيفة أو النفوذ، أو إساءة استعمال سلطة ما عليه، أو استغلال ضعفه، أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر من أجل الاعتداء الجنسي، أو العمل أو الخدمة قسرًا، أو التسول، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء، أو إجراء تجارب طبية عليه. ليُعتبر هذا التعريف الوطني متوائمًا مع المعايير الدولية في هذا الشأن.

البداية:
انطلاقًا مما سبق، وتزامنًا مع اليوم العالمي للاتجار بالأشخاص، تشارك المملكة العربية السعودية دول العالم في احتفالاته بإحياء اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الـ (30) من يوليو من كل عام، تُعد مشاركة المملكة الاحتفال بهذا اليوم تأكيدًا على مواصلة جهودها في مكافحة هذه الجريمة اللاإنسانية مما يعكس استمرارها في العمل على تنفيذ العديد من الإصلاحات التي تدعم وتعزز حماية حقوق الإنسان، كما يُعد تذكيرًا للعديد من المنظمات والهيئات الوطنية إلى التصدي لمنع هذه الجريمة النكراء.
جهود المملكة التشريعية:
إيمانًا بأهمية حقوق الإنسان وحفظ وصون كرامته، فلقد أولت المملكة العربية السعودية جهودًا تشريعية حثيثة للقضاء على تلك الجريمة ودعم الناجين، عن طريق تنمية الوعيّ والتصدي لممارسات استغلال الأشخاص بكافة أشكاله اللاإنسانية، من خلال سَنّ واعتماد الأنظمة اللازمة لمكافحة تلك الجريمة الشَنْعاء، والمشاركة والتوقيع علي البُروتوكولات والمواثيق والاتفاقيات الدولية في هذا الشأن، من أجل ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم – محليًا ودوليًا – وتحرير ضحايا هذا الاتجار وحماية حقوقهم، واتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون ارتكاب جريمة الاتجار بالأشخاص، وسُنلقي الضوء هنا على أبرز الأنظمة والبُروتوكولات والمواثيق والاتفاقيات التي نظمتها المملكة أو وقعت عليها (محليًا وإقليميًا ودوليًا) لتثبت للعالم إرادتها السياسية في التصدي لتلك الجرائم.

أولًا على المستوى المحلي:
1- أحكام الشريعة الإسلامية.
2- النظام الأساسي للحكم في المملكة، الصادر بالأمر الملكي الكريم رقم (أ/م) وتاريخ 27/8/1412هـ.
3- نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/40) وتاريخ 21/7/1430هـ. والذي اِنْبَثَقَ منه لجنة مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في هيئة حقوق الإنسان، المُشكلة من ممثلين من: وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ووزارة الإعلام، وهيئة حقوق الإنسان، وأخيرًا تم إضافة ممثلين من وزارة التعليم، ووزارة الصحة، ورئاسة أمن الدولة، والنيابة العامة.
4- تنظيم هيئة حقوق الإنسان الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (207) وتاريخ 8/8/1426هـ، والمعدل بقرار مجلس الوزراء رقم (237) وتاريخ 5/6/1437هـ.

ثانيًا على المستوى الإقليمي:
1- الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي وافق عليه مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة العربية في دورته السادسة عشرة في تونس 2004م، والذي انضمت إليه المملكة بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/19) وتاريخ27/3/1430هـ.
2- الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية 2010م، والتي انضمت إليها المملكة بموجب المرسوم رقم (م/38) وتاريخ 10/6/1433هـ.
3- الإستراتيجية العربية الشاملة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، الصادرة وفقًا لقرار مجلس وزراء العدل العرب رقم (ق879/د27) وتاريخ 22/3/1433هـ.
4- القانون العربي الاسترشادي لمواجهة جرائم الاتجار بالبشر، الذي اعتمده مجلس وزراء العدل العرب في دورته (21) بالقرار رقم (601-د21) وتاريخ 28/10/1426هـ، ومجلس وزراء الداخلية العرب في دورته (23) بالقرار رقم (473-د23) والمعدل بموجب قرار مجلس وزراء العدل العرب رقم(920-د28) وتاريخ 16/11/2012م.
5- وثيقة أبوظبي للنظام (القانون) الموحد الاسترشادي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، التي اعتمدها المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته السابعة والعشرين التي عقدت في الرياض بتاريخ 19/11/1427هـ، الموافق 10/9/2006م.
6- إعلان حقوق الإنسان لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي اعتمده المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الخامسة والثلاثين التي عقدت في الدوحة بتاريخ 9/11/2004م، الموافق عليه بقرار مجلس الوزراء رقم (376) وتاريخ 21/8/1436هـ.

ثالثًا على المستوى العالمي:
1- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000م، التي انضمت إليها المملكة بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/20) وتاريخ 24/3/1425هـ، الموافق 13/5/2004م.
2- بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000م، الذي انضمت إليه المملكة بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/56) وتاريخ 11/6/1428هـ، الموافق 21/8/2007م.
3- إعلان منظمة العمل الدولية للحقوق الأساسية في العمل، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، والمنظمات الأخرى ذات الصلة، وفقًا لما التزمت به المملكة.
4- بروتوكول عام 2014 المكمّل للاتفاقية رقم 29 لعام 1930 المتعلقة بالعمل الجبري الذي انضمت إليه المملكة بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/73) وتاريخ 26/8/1442هـ.

بقي أن أقول:
إن الاتجار بالأشخاص ظاهرة يجب التسليم بوجودها فهي شكلٌ من أشكالِ الرقّ في العصر الحديث الذي نهى الإسلام عنه كشكل من أشكال الامتهان لكرامة الإنسان، وانتهاك لحقوق الإنسان وكرامته، مما يشكّل جريمة تجاه الفرد والمجتمع معًا، كما أنه يُعد شكلًا من أشكالِ العنف وضربًا من ضروب الأعمال التجارية المحرمة شرعًا ونظامًا، يأتي الاتجار بالأشخاص بأشكال مختلفة لغرض أساسي ألا وهو استغلال البشر من الفئات الأكثر ضعفًا. لنجد أن أكثر ضحاياه هم النساء والأطفال.
وحريٌ بنا من هذا المنبر أن نثمن جهود المملكة العربية السعودية لكافة مساعيها في القضاء على هذه الجريمة اللاإنسانية المهينة، من خلال تبني نهج شامل يشمل الإجراءات القانونية والتعاون الدولي والتوعية المجتمعية ودعم الضحايا؛ حيث يعتبر اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص فرصة لتعزيز هذه الجهود، ومواصلة العمل نحو عالم خالٍ من الاستغلال والاستعباد.
ولكن المقصد الرئيس لهذه المقالة وهو ما يجب أن ننوه إليه أنه لا يمكن القيام بمكافحة الاتجار بالأشخاص من خلال مراقبة الجريمة ومكافحتها وملاحقة مرتكبيها قضائيًا من جانب الدولة ومنظماتها المعنية فحسب؛ إذ إن التجريم أمر إلزامي لكنه غير كافٍ، حيث إن تلك الهيئات والمنظمات تنفذ أنظمة مكافحة الاتجار بالأشخاص بفاعلية بل وترصد تنفيذها بدقة؛ إلا أنها لا تستطيع وحدها الاضطلاع بدورها ومهامها المرجوة بمفردها دون معاونتنا نحن أفراد المجتمع المدني لما تواجهه من صعوبات وتحديات، ومن ثّمَّ فإنه ينبغي على كلٍ منا كمواطنين ومقيمين ينعمون بالسلام داخل هذا الوطن أن يبادر إلى العمل في مشاركة الدولة ومنظماتها وهيئاتها المعنية؛ وذلك بُغية توفير إطار شامل للتصديّ لهذه الظاهرة.
ولإيضاح ذلك دعني أضرب مثالًا بسيطًا، فبالمثال يتضح المقال: إن ما نراه في المجتمع من تفشي ظاهرة التسول في الأماكن العامة، ناهيك على أنه مظهر غير حضاري، وناهيك أيضًا على أن التسول له نظام قانوني صدر به مرسوم ملكي لتجريمه وله إدارة تكافحه، بينما القول الحاسم فيه بأنه يُعد جريمة من جرائم الاتجار بالأشخاص – كجريمة منظمة عبر وطنية – التي تمس الأمن البشري وأمن الدولة على حدٍ سواء طبقًا لنص النظام، فبمساعدتك وبحسن نية لهؤلاء الأفراد تكون مشتركًا في تفشي مثل هذا النوع من جرائم الاتجار بالأشخاص مؤثرًا بذلك على أمن واقتصاد المملكة، فغالبًا ما يُدار هؤلاء المتسولون من قبل جماعات دولية منظمة تستفيد من تحويل الأموال إلي جهات خارجية هدفها القضاء على القيم المجتمعية وأمن واقتصاد الوطن، وقِس على ذلك من جرائم وطيدة الصلة بهذا النظام محيطة بنا، وقد نتعرض لها بشكلِ متكرر دون أن نعي ذلك فنؤثر بذلك على أمن واقتصاد وطننا الغالي، ولكي لا يتبادر للأذهان أننا نُحَرم الصدقات، فعلى العكس من ذلك فالصدقة والزكاة لهما مخارجهما الشرعية من جمعيات ومؤسسات خيرية تعمل تحت رقابة الدولة.
وإنني لأعتقد أن الاتجار بالأشخاص، خصوصًا النساء والأطفال، من أجل تشغيلهم بالسخرة هو من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها العالم وتتصدى لها المملكة بكل بَسالة وإقدام، إن الجماعات الإجرامية العبر وطنية المنظمة لن تتأخر في النيلِ من أمننا واقتصادنا إن لم نكن متكاتفين جميعًا مع وطننا وقادتنا ومسؤولينا، ممتثلين لأنظمتنا؛ لذا وجب على كل مواطن ومقيم أن يكون شريكًا فاعلًا في مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بالإبلاغ عن حالات الاشتباه لدى كافة الجهات المعنية والمسؤولة، فالأمن مسؤولية الجميع، وبذلك نحافظ على كرامة الإنسان لتنعم أوطاننا بالسلم والأمان.
حفظ الله المملكة وقادتها وشعبها، وأدام عزها ومجدها ووحدتها، وجعلها ذخرًا للإسلام والمسلمين.

– أستاذ القانون الدولي – جامعة جدة

‏@Dr_MSALANSARI

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. كلام جداً مهم والله يعز دولتنا وحكامها على عملها الجبار وترصدها على الناس المتاجرين بالاشخاص قرأت الكلام كامل واثني عليه والله يعز دولتنا ووفق الكاتب المحامي محمد الانصاري وشكره على مجهوده ولباقته في الكتابه مقال جداً جداً جميل ورائع واستمتعت واستفدت الكثير بقرائته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى