المقالات

إيرنة العراق بين عجز العرب وخيانة أمريكا (1)

لا يجد المراقب المحايد حرجًا يُذكر، في مدى إدراك تعاون المشروعين الإيراني (تصدير الثورة) والمشروع الأمريكي (الفوضى الخلّاقة) في ثنائية شريرة حصدت حتى الآن أربع دول عربية هي: (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن) مما فتح شهية المقاول الأمريكي إلى مزيد من التدمير للأمن العربي ودوله، من خلال إنشاء مشروع صهيوني عربي جديد، وأسند زعامته ورئاسته وتمويله إلى دويلة عربية ثرية جدًا، وأطلق لها العنان بالعبث بالأمن العربي، لتأتي على البقية الباقية التي عجز المشروع الإيراني عن تدميرها، فحصدت حتى الآن ثلاث دول عربية؛ انطلاقًا من اليمن، حيث احتلت سقطرى وعدن، وأنشأت أربع جيوش يمنية موزعة في عدن، وشبوة، والساحل الغربي، خارج سلطة شرعية الحكومة اليمنية في مأرب؛ مما أضعف بدوره الحكومة اليمنية الشرعية، ومزّق إهابها إربًا إربًا، وأتاح للحوثي التوسع شمالًا، ولم يكتفِ بذلك بقدر ما جندل ليبيا والسودان في مهيع ومستنقع الفوضى الخلاقة على يد عميليه (حفتر وحمدتي) فاكتنفت الفوضى الخلاقة العالم العربي غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا تحت وطأة (المشاريع الشريرة) وأسقطت في براثنها حتى الآن خمسة دول عربية وهي: (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والسودان)؛ لتخدم جميعًا المشروع الصهيوني اليهودي الذي دمر ويدمر غزة حاليًا، بدعم من أمريكا والغرب، والذي تقاطر زعماؤها لتأييد الطغمة الصهيونية في تدمير غزة، تتبعهم أسراب طائراتهم وحاملاتها العملاقة التي تحمل الموت الزؤام؛ فضلًا عن جموع المتطوعين الصهاينة من أنحاء العالم للقتال في غزة، وإزاء هذا الدمار السياسي والأمني والاجتماعي الهائل للعرب، وانفراط عقد الدولة العربية الواحدة تلو الأخرى، ينداح صمت عربي غريب لا مبررله؛ إذ لا مندوحة من توعية الجمهور العربي العريض الذي وقع ضحية التضليل الإعلامي الإيراني والغربي؛ حيث وجدت إيران فراغًا سياسيًا وإعلاميًّا عربيًا هائلًا، فشحنته بالدعايات الصاخبة، مستغلة الإحباط الشعبي العربي من المحيط إلى الخليج (إلا ما رحم الله)، وتعتبر عراق الرشيد والرافدين جوهرة العرب المفقودة، التي تكرس إيران لابتلاعها وإيرنتها وفق الخطوات الشريرة التالية :
١- تعريق آلاف الإيرانيين المستعربين بالجنسية العراقية، وبثهم في أوصال الدولة العراقية، والسيطرة على المرجعية الشيعية في النجف وكربلاء، وانتقال زعامتها إلى قم، وحينما حاول آية الله الصرخي المرجعية العربية الوحيدة في النجف وكربلاء، أن يخرج من عباءة الولي الفقيه، تم ضرب أتباعه وحرق مقراته وخضع وخنع أخيرًا لإملاءات ولاية الفقيه.
٢- إنشاء جيش عراقي يُدين بالولاء لإيران بعد تسريح الجيش العراقي السابق بقادته وجموعه من السنة والشيعة.
٣- تصميم دستور باسم العراق وحقيقته الجوهرية (إيراني المنشأ والفحوى والمضمون) ، ولم يخف بول بريمر ذلك حين قال في مقابلة على قناة الجزيرة (حكم السنة العراق عشرة قرون، وآن للشيعة حكم العراق)؛ فتم تصميم الدستور العراقي الإيراني الهوى والتفسير والفلسفة على مقاس نظرية الولي الفقيه الخمينية التي سرقها من الدولة الصفوية المتعصبة، وبنى على منوالها دولته.
٤- تدجين الزعماء العراقيين العرب السنة برشاوى المال والمناصب، التي لا تأثير لها في منع سلخ الهوية العراقية أو التأثير في قرار الدولة العراقية العميلة لإيران، والتي تسيطر عليها المليشيات، وبث عصابات الحشد الشعبي الإرهابي العميل في مناطق السنة لإرهابهم، مقابل إعطائهم (رئاسة البرلمان)، وبعض الوزارات غير السيادية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وفق قانون الحاكم اليهودي للعراق (بول بريمر)؛ بحيث لا يتسنم هذا المنصب إلا لمن ثبت ولاؤه لإيران أولًا وأخيرًا .
٥- تكوين أحزاب سياسية ولائية لإيران ذات مليشيات مسلحة، أفرغت الدولة العراقية من محتواها، وتقاسمت مناصب الدولة العراقية وسرقة ثروتها من خلال توزير الأميين وغيرهم، ومؤهلاتهم الوحيدة هي: الطاعة المطلقة لولاية الفقيه أولًا، ثم لزعيم الحزب ثانيًا، مع غض النظر عن سرقة موارد الدولة العراقية من قبل كل وزير في وزارته، بموافقة مشتركة بين أمريكا وإيران، وتهريب المليارات خارج العراق، وتخطئ أمريكا كثيرًا حين غلب عليها جانب الانتقام من الإسلام، وانقادت للتيار الصهيوني النصراني اليهودي، الذي يمسك بتلابيب القرار الأمريكي، بتمكين إيران من الهيمنة على العراق، وقد كانت الدولة الرومية أحذق سياسة، وأوعى بصيرة، وأبعد نظر من أمريكا، حينما أدركت خطورة دولة (كسرى) سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًّا وتصدت لها بكل كفاءة واقتدار، فتواطؤ السياسة الأمريكية مع إيران وتمكينها من صناعة القنبلة النووية مستقبلًا، سيضطر العرب إلى امتلاك السلاح النووي بأي ثمن كان.
وإن تجرأت إيران على مهاجمة بعض الدول العربية، فسوف تكون ردود الفعل عنيفة وخطيرة جدًا على المنطقة والعالم كله، ولكن حينما تفرض أمريكا حكومة عراقية حرة ومستقلة بعيدًا عن سيطرة إيران، فسوف يعود حتمًا بالاستقرار ونمو التجارة والتنمية والاستقرار على المنطقة بأسرها؛ وخاصة إذا وافق الكيان الصهيوني على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧م وعاصمتها (القدس. الشريف)، وهذا كله لا يعفي الشيعة الوطنيين الأحرار، والسنة المستقلين عن إيران، من الوقوف أمام التهام إيران الكعكة العراقية الدسمة وتقطيع أوصالها، وزرع الفتنة بين أفراد شعبه، والتهام ثروته، وإيرنة هويته وتاريخه.

أ.د. غازي غزاي العارضي

استاذ الدعوة والثقافة بجامعة الاسلامية وجامعة طيبة سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى