منتدى القصة

أنا لن أعود إليك

‏ حكاية 

..اجتاز بوابة العمارة..واجهه نور الصباح..وزرقة السماء..وأيضًا هدير السيارات وزحمة دراجات التوصيل.. صرف النظر عن شراء جريدة الصباح كانت عناوينها كالعادة تتحدث عن أخبار لا تتغير وحروب ومشاكل دولية لا تنتهي..لمحها من بعيد ..كانت على بُعد خطوات منه، وهي تغادر منزل أسرتها المجاور للعمارة التي يسكنها.. وفي إطار الجيرة عرف عنها الكثير، وأصبح لها في قلبه مكان طوى عليه أجنحة اشتياقه..
لم تكن جميلة ولكنها مقبولة.. حدّث أمه برغبته بالزواج منها … فرحت وباركت الخطوة وقالت له: وهي تدعو له ربنا يوفقك يا ولدي وتكون من نصيبك .. الفتاة طيبة وبنت ناس .. اختار الوقت المناسب لمقابلة والدها .. انفرجت أسارير الأب ووافق.. وهو يقول له: أنت شاب ممتاز وعلى خُلق ولن نجد أحسن منك زوجًا لابنتنا…قال له: يا عمي من البداية أريد أن أوضح أمرًا مهمًا .. أنت تعلم أن والدتي تسكن معي فأنا ابنها الوحيد .. وهي ستظل معي .. هي لا تحتاج لمن يخدمها ويعتني بها فهناك من يقوم بهذه المهمة، ولكنها تحتاج لابنة تعطف عليها وتؤنس وحدتها وترد عليها الصوت، وتملأ البيت أطفالًا يسعدونها .. قال الأب: أمك أختنا الكبيرة ولها منا كل محبة وتقدير .. وهذا الشرط يجب أن تسمعه ابنتي منك مباشرة … وافقت وهي تقول له: أمك هي أمي.. وهي أساس البيت وركنه المتين .. في حفل صغير تم عقد القران .. وكانت أمه أكثر الحضور فرحًا وسعادة .. فهي كانت تنتظر هذه اللحظة على أحر من الجمر .. وهي ترى ابنها الحبيب تجري به السنون إلى نهاية عمر الشباب ..
لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت المشكلات تظهر على السطح .. وما كان الكلام بينهما يجري همسًا لا تكاد تتبينه الشفاه، أصبح صوتهما يعلو ونبراته تحتد ..قالت له: بصراحة لا أستطيع أن أعيش مع أمك في مكان واحد .. لا أستطيع أن أعيش مع امرأة تمسك بزمام قراراتك وتصرفاتك.. أخذ نفسًا عميقًا بعد أن قال لها كل ما عنده.. وبدا عليه أنه غير مستعد للتنازل عما سبق أن وافقت هي عليه .. وقال لها منهيًا النقاش: لن أضحي بأمي .. ولن أدع لغيري أمر رعايتها وبرها .. ولن ألقي بها في دار العجزة … أثارها تصميمه .. ولهجته الحاسمة.. قالت له بلهجة حازمة: إذن فلتختر بيني وبينها .. واختار .. وطلقها….
مضت شهور قليلة .. مرضت أمه وتوفيت .. استيقظت هي على الخبر غير مصدقة .. قالت لنفسها: ليتني صبرت لقد استعجلت كان يجب أن أتنازل قليلًا .. فكرت في طريقة تعود بها إليه .. اتصلت به عزته في أمه، طلبت منه أن يسامح خطئها في حقها وحقه .. في اليوم الأخير من العزاء انفرد به والدها وقال له: لا أدري يا ولدي إذا كان الوقت مناسبًا لأن أفاتحك في العودة لابنتي؛ فهي تعزك كثيرًا ونحن نقدرك.. صمت قليلًا يفكر ثم طلب منه أن يحدد موعدًا للقائها .. رحب الأب بذلك ودعا الله أن تعود الأمور إلى مجاريها .. استعدت لليوم الموعود..ارتدت أجمل ثيابها وتعطرت.. وانتظرت حضوره .. تجاوز الوقت موعد قدومه .. خرجت إلى الشرفة .. تستطلع رؤيته .. من بعيد تهادت إليها زغاريد فرح آتية من جهة العمارة التي يسكنها.. قال والدها: وقد كسا وجهه حزن عميق ..إنه لن يأتي فهو عقد قرانه على فتاة أخرى….
غادرت الشرفة وفي أذنيها يتردد صدى أغنية لأم كلثوم آتية من مسجل سيارة عابرة..
أنا لن أعودَ إليك مهما اسْتَرْحَمتْ دقّاتُ قلبي
أنتَ اللى ابتدا الملالةَ والصُّدودَ وخانَ حُبّي
فإذا دعوتَ اليومَ قلبى للتصافى لا لنْ يُلبّي..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button