تُعرف المنشأة الغذائية بأنها أي كيان نظامي يقوم بعمليات تداول الأغذية على مختلف مراحل السلسلة الغذائية. لضمان عمل هذه المنشآت بكفاءة، يتعيَّن عليها الالتزام بمجموعة من الاشتراطات والمتطلبات والسياسات والإجراءات للحصول على التراخيص اللازمة. الهدف الأساسي من تطبيق هذه الإجراءات هو حماية صحة الإنسان من المخاطر المحتملة الناتجة عن المضافات الغذائية، والملوثات، والسموم، والجراثيم. لتعزيز ثقافة سلامة الأغذية، يتلقى العاملون في هذا القطاع تدريبًا مستمرًا يشمل كل ما يتعلق بالمواد الخام، وطرق حفظها، وتخزينها، وطهيها، وصولًا إلى تقديمها للمستهلك. ويتطلب الحصول على التراخيص اجتياز اختبارات معينة، بجانب الفحوصات الصحية لضمان خلو العاملين من الأمراض المعدية. كما تُنفّذ السلطات المعنية، مثل: البلديات والوزارات ذات الصلة، زيارات تفتيشية مفاجئة، لضمان الالتزام بالاشتراطات الصحية. يمكن أن تتخذ هذه الجهات إجراءات صارمة مثل: إغلاق المنشآت أو فرض غرامات عند وجود مخالفات. ولعل سرعة التعامل مع بلاغات المستهلكين بشأن تلف أو تلوث الأغذية تُعَدُّ من النقاط الإيجابية في نظام سلامة الأغذية بالسعودية.
إلا أن التساهل في تطبيق إجراءات سلامة الغذاء، الذي قد ينجم عن جهل أو نقص وعي، يتطلب المزيد من الجهود؛ إذ لا يكفي الاعتماد على الأنظمة والتشريعات لضمان سلامة الغذاء. فكل يوم نشهد أخبارًا تتعلق بحوادث تسمم غذائي، وهذا يثير القلق بين أفراد المجتمع بشأن جودة الطعام الذي يتناولونه. هنا تكمن أهمية الاستفادة من تجربة اليابان في سلامة الأغذية. إذ يُشكل اهتمام اليابانيين بالجودة والاهتمام بالزراعة والمواد الخام جزءًا لا يتجزأ من ثقافتهم الغذائية، مما جعل الطعام الياباني يتمتع بسمعة ممتازة عالميًا ويُعتبر أحد أفضل الأطعمة في العالم. الجدير بالذكر أن الطعام الياباني يُعتبر آمنًا رغم احتوائه على أصناف نيئة بسبب عدة عوامل وممارسات تتعلق بمراقبة الجودة وسلامة الغذاء.
نقاط أساسية من التجربة اليابانية
الالتزام بالقواعد: يتبنى اليابانيون نظامًا صارمًا من القوانين الصحية، مما يضمن تنفيذ إجراءات صحية دقيقة في المطابخ.
فلسفة التحسين المستمر: تعتمد فلسفة الكايزن اليابانية على القيام بتحسين العمليات بشكل مستمر لضمان سلامة الأغذية، مما ينعكس إيجابًا على جودة الطعام.
المسؤولية المجتمعية: تُعنى اليابان بتثقيف الشعب بشكل عام والعاملين في مجال الأغذية بشكل خاص حول أهمية السلامة الغذائية، مما يسهم في رفع الوعي وزيادة الالتزام بالمعايير الصحية.
تظهر أهمية هذه القيم بشكل جلي في اختيار المكونات بعناية، إذ تُراقب مثلًا مستويات الزئبق في الأسماك، ويتم استخدام تقنيات تحضير فعّالة. علاوة على ذلك، يتلقى المستهلكون التوعية حول مخاطر تناول الأطعمة النيئة. التي تعتبر سمة غالبة على أطباق المطبخ الياباني. وبناءً على ما سبق، يتوجب علينا تعزيز الوعي والثقافة الغذائية في مجتمعاتنا، من خلال إدخال مواد تعليمية حول الطهي وسلامة الأغذية في المناهج الدراسية منذ المرحلة الابتدائية. ويجب أن تُركز برامج تدريب العاملين في مجال الطعام على مفهوم سلامة الأغذية بشكل أعمق، لتضمن استيعابًا أفضل لمخاطر التلوث الغذائي.
عندما نتبنى هذه الممارسات، نستطيع أن نبني مجتمعًا أكثر وعيًا بسلامة الطعام وجودته، مما يسهم في حماية صحة أفرادنا وأحبائنا.
أستاذ مساعد التغذية والعلوم النفسية
جامعة الملك عبد العزيز