بين الضجر والجزع من القدر تكمن نعمٌ سها عنها بعض البشر؛ فقلَّ بذلك من شكر. وأعظم وأجل تلك النعم نعمة الهداية للدين القويم والصراط المستقيم؛ فمن حظي بها فاز بالمغفرة والرضوان، واستأنس بدخول جنة الرحمن، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ). أما مادون نعمة الدين فليس إلا متاع، من لم يجده في الدنيا تلذَّذ بعوضه في الآخرة – بمشيئة الله – دون انقطاع، (وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ). لكن لأننا تعودنا النظر دومًا إلى النصف الفارغة من الكأس؛ أدمنَّا ندْبَ الحظ، وتسلَّل إلينا الجزع والقنوط واليأس؛ فالذي ألمَّ به مرضٌ عارض أقام الدنيا ولم يُقْعِدها، ونظر إلى السليم المعافى، ولم ينظر إلى من سُلِب العافية فلم يستعدها، والذي تملَّك بيتًا وحوله من المتاع شيءٌ يسير قام يشتكي من قسوة الوسادة، وخشونة اللحاف، وصوت السرير، وراح ينظر إلى من توسَّد ريش النعام والتحف الحرير، ولم تر عينه ذاك الذي غفى على حجرٍ في لفح الهجير. من لبِسَتْ ثوبًا في زفافٍ بثلاث مئةٍ جُنَّ جنونها لأنه لا يليق، وهل يليق والأخريات يلبسن بالآلاف ما يشتكي القِصَر، ويكادُ يحتزُّ الخُصُرَ من الضيق؟! العازب ينظر إلى المتزوج بعين الحسرة؛ لأنه استقرَّ وكوَّن أسرة، والمتزوج أصابته من بيته النَّفرة، يتأفَّفُ من عبء المسؤولية، ويحنُّ إلى الانطلاق والحريَّة. الموظَّف يحسد العاطل على النَّوم والدِّعة، والعاطل يلوم حظَّهُ العاثر، ويبكي حُلمَهُ الذي ودَّعه. وهكذا هي الحال في كل الأحوال؛ أجواءٌ بالتَّسخُّط غائمة، وحياةٌ على عدم الرضى قائمة، وغابَ عنَّا عبثًا (لئن شكرتم لأزيدنكم).
ولقد صدق من قال: (القناعة كنز)؛ لأن القناعة مُفْضِيَةٌ إلى الرضى، والرضى سببٌ للشكر، وبالشكر تدوم النعم.
اللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدِينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه.
0