المقالات

مسرح المفتاحة ذكـرى الأطلال

ضبابيات

في المقال السابق كتبت ” أبها أم الفن ” حينهـا كنت ومازلتُ اشعر بأن أبها ستعود للحياة بروح أجمل ووجه اكثر وسامة وإشراقة فكانت كعادتها فاتنة ساحرة ترافق الغيم والمطر ..

كيف لا وهي عاصمة السياحة العربية للعام /
2017 م ومازالت ، فقد كانت في ذات العام على موعد آخر مع أخطبوط العود الأنيق :
عبادي الجوهر في ليلة زفاف أبها وهي عودة البهاء لمدينة البهاء والنقاء وعند اللقاء صدح لها قائلاً :
لحظة تحس انك قريب وأتأملك
ولحظة أنت عن عيني تغيب وأتخيلك

عادت أبها للجمال الذي يسكنها وتسكنه حين استنهضت ذاكرتها المليئة بإرثها وتاريخها وأصالتها وثقافتها ومكانتها العظيمة إنساناً ومكاناً وعادت لمرآتها بعد تجاعيد العقد الثقيل ، وعادت لفساتينها البيضاء والصفراء والحمراء عادت تحتسي قهوتها في شارع الفن وهي ” أم الفن ” وحق لهـا على امتداد العصور وعادت للغناء ، وللحياة التي تليق بها كحسناء فاتنة مثلها ، وفي ليلة الضباب والجبل الأخضر والقلوب الخضراء عادت لصورتها الأولى والتي منذ اللحظة التي فازت أبها بعاصمة السياحة العربية وهناك أصوات نشاز تحاول أن تعكر صفو الفرح والبهجة والاحتفاء بأبها وتخطف لحظة الفرح هذه الأصوات الغوغائية التي اعتدنا عليها مع ظهور أي نجاح أو ضوء أو إبداع أو كثافة ضوء فالعتمة موطنها دائمـاً ..!

عادت أبها تبادل زواها الضيافة والتحية بألف ورأيت في مسرح المفتاحة بأبها إشعاعاً وطنياً عظيماً ومنارة تنير الفكـر والثقافة والذائقة الفنية الراقية وزادها جمالاً عندما نقشت وزارة الثقافة اسم الفنان الراحل طلال مداح على مدخل مسرح مركز الملك فهد الثقافي بقرية المفتاحة في مدينة أبها رسميًا تنفيذًا لقرار صاحب السمو الأمير :
بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة بتسمية المسرح باسم الفنان السعودي الراحل تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في الموسيقى والأغنية السعودية ووضعت الوزارة جدارية بجانب مدخل المسرح نُقش عليها اسم طلال مداح كما سيتم وضع لوحة تحوي تفاصيل قرار التسمية التاريخي الصادر ، والذي يعدُّ أول قرار رسمي يقضي بتسمية مسرح كبير باسم فنان موسيقى سعودي ..

مسرح طلال مداح من المسارح الشهيرة في المملكة والذي شهد حفلات ومناسبات فنية كبيرة منذ منتصف التسعينيات بما فيها الحفلة الأخيرة للراحل طلال مداح ليلة 11 أغسطس من عام 2000م ..
ورأيت إشعاعاً ينير دروب كل العاشقين للفن الأصيـل .. ينير مساءات الحالمين لعناق أبها .. وانعتاقها من الظلاميين .. ينير القلوب الموغلة في اخضرار الموسيقى والكلمة واللحن والصوت الذي ظل يشاركنا كل أفراحنا ومناسباتنا عملاقا الأغنية السعودية ” طلال مدَّاح ، ومحمد عبده ” ورأيت فنان العرب كعادته يسافر بنا نحو الزمن الجميل بموشحات فنية رقصت أبها عليهـا طوال ليلها الأجمل وكأنَّه يكتب للاهثين خلفه : أنا وأنت في نفس الطريق بس الخطا متباعدة

واستمعت لصوت الأرض طلال مدَّاح في ليلة رأيته فيهـا يجوب طرق أبها بصوته المتدفق دفئاً وعشقاً وكأنَّه يناجيها بقلبه المتعب : الله يرد خطاك لدروب خلانكـ
لعيون ما تنساك لو طال هجرانك

طلال حداثية الأغنية السعودية والعلامة الفارقة في تاريخ الفن السعودي وفي ذاكـرة العرب فلا يكاد يذكـر مسرح المفتاحة الا ويذكـر زرياب الأغنية العربية وهو اللقب الذي أطلقه عليه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب ..
صوت الأرض الذي كلما استعدنا صوته وهو يناغي أبها عشقاً :
قلبي حبك والله يا أبها
أنت أجمل من خيال

استعدنا الكثير من ملامح ولهفة قيثارة الشرق الأوسط ورائد الأغنية السعودية والذي منحني هذا المساء شرف الكتابة الأولى في ذكـرى رحيله قبل ما يقارب 24 سنة .. طلال الذي حين يشرع في الإبحار الفني ويبدأ في تحريك نظارته فهو يبحر بنا معه نحو أشرعة البياض والذهول والدهشة والإبهـار نحو صوته العذب احساساً مرهفاً يحنو لرائيته التي سكنت روح الموسيقى العربية وورثتها أبها في ليلة الحضور رغم الغياب :
أحبك لو تكون حاضر
أحبك لو تكون ” غايب “

وبين الحضور والغياب مساحات من القلوب الطلالية هناك حيث أزمنة الصمت المسافرة في سلم طائرة المغادرين والقادمين .. طلال السكوت الحائر على كل سوالف الليل والمطر .. هو مصدر الحزن الذي يُرى وجوه عشاقه وإن تواروا خلف صوته ، هو الورد في عيون زارع الورد ، وهو من سرق خفوق المغرمين في ليلة الجفا ودمعة الخد والبارحة جاني خبر ” ..
طلال مقادير الحب في درب المحبة والاستدراك حين يحنو لنديمه :
ظالم ولكن في القلب لسى هواك ..
هو سويعات الأصيل في ابتهالات الذنب وزحمة المشاعر المتناقضة
ابتعد عني ما حبك
وش تبي بي ؟
وهو الأعتراف الخائف مافي الهوى راحة.. هو الغربة الحالمة في مناجاة القمر والليل .. وناعم العود
يا سيد الملاح .. طلال جاذبية الهوى وحب النصـر :
أحبك يا نصر والله أحبك ..
ومن منا لا يعشق النصـر ؟!
هو العشق المرسوم في قنينة العطر في الموعد الثاني .. في كل دروب المدينة .. هو الإنتظار في ساعة الوداع وهو القمر في خفوت النجوم ..
وهو الحب الذي يداعب صاحبه :
سيدي قوم !
ما خبرت اللي يحب يشتهي للنوم
طلال ميلاد الأغنية التي لا تموت وإن رحل فنانها طلال اللقاء الحلم وسلطنة الطرب والقصة الطللية الباقية في صرخة السؤال الصعب :
يا جريح البارحة كيف قمت اليوم ؟!

ومضة :
لاتقول ان الليالي فرقتنا
لاتقول ظروفنا عيّت علينا
الليالي يوم ودك جمعتنا
يوم ودك كل شي في يدينا

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button