المقالات

الحلاق وعين الجزار!

تواردت إلى ذهني، وأنا أتابع تحليلات بعض القنوات الإخبارية لمستجدات الأحداث العالمية الأخيرة قصة قرأتها قبل سنوات، يقول راويها إنه بينما كان أحد الجزارين يقطع اللحم طارت قطعة من فتات العظم ودخلت في عينه، فأصبحت عينه تؤلمه، ونظرًا لعدم وجود مستشفيات في ذلك الزمان، ذهب إلى الحلاق الذي كان بمثابة الطبيب في عصر وقوع هذه القصة، وشكا له ما حدث فقال له الحلاق: بسيطة لا تقلق أنت فقط تحتاج إلى تعقيم للعين ووضع ضمادة عليها، وبعد أن انتهى من تعقيم عين الجزار قال له: يجب أن تأتي إليَّ غدًا؛ لأنظف لك عينك فأراد الجزار أن يعطيه بعض الدراهم ولكنه رفض وبشدة، وفي اليوم الثاني جاء الجزار ومعه كيلو لحمة وكيلو من الكبد، وقدمها له وبدأ الحلاق في تنظيف عينه؛ فوجد داخل العين كسرة صغيرة من العظم عندها خطرت بباله فكرة شيطانية، جعلته يبتسم ويقرر بعدها عدم إخراج تلك العظمة الصغيرة من عين الجزار، وبقي الوضع هكذا أيامًا والجزار يذهب كل يوم إلى الحلاق وبيده بعض اللحم والحلاق يعقم العين فقط ولا يقوم بإزالة العظمة منها، وفي يوم من الأيام جاء الجزار ولم يجد الحلاق، بل وجد ابنه، فرحب به الولد فقال له الجزار: هل علّمك أبوك الصنعة؟! قال الولد: نعم. يا عماه؛ فقال له الجزار: إذًا قُم بتعقيم عيني. فقال الولد: الأمر في غاية السهولة، وبدأ في تنظيف عين الجزار ثم قام بسحب كسرة العظم التي في عينه وعقمها، وقال: لقد انتهيت يا عماه وستكون عينك بأحسن حال .
وفي الليل عاد الحلاق إلى البيت، وسأل الولد: كيف كان عملك اليوم؟ قال الولد: جاء جزار في عينه قذاة سحبتها من عينه. فإذا هي جزء صغير من عظم فغضب الأب كثيرًا من تصرف ولده. وبدأ يصرخ في وجهه قائلًا: كانت القضية في أيدينا .. كانت القضية في أيدينا، وعندما سأله ابنه عن سبب غضبه وعن أي قضية يتحدث؟! وأنه كان يجب أن يشكره لأنه أنقذ عين الرجل وساعده في التخلص من ألمه. قال له أبوه: يا بُني كان ذلك الجزار يأتي إليَّ كل يوم بلحم وكبدة كي أعالج له عينه أما الآن فلن يأتي أبدًا؛ لأنك أخرجت قطعة العظم من عينه وستصبح لا تؤلمه! ولم يعد هناك أي قضية تجعله يعود إلينا مرة أخرى، وبالتالي ضيعت علينا أكل لحمة الجزار .
وعطفًا على القصة السابقة فإننا إذا ما طبقنا أحداثها المؤسفة المبكية على واقع بعض القضايا التي باتت تلوكها أفواه المذيعين في كل يوم وليلة مئات المرات؛ فإننا حتمًا سندرك أن هناك العشرات ممن دارت في أذهانهم نفس الفكرة الشيطانية التي دارت في ذهن الحلاق من أجل أن يبقى الوضع على ما هو عليه، وأن تبقى شظايا العظمة في عين كل من أصابته حتى يظل هو يأكل اللحم ويتلذذ بطعمه الذي لا يقاوم مهما كانت النتائج ومهما كانت الخسائر، ومهما كانت الآلام الناتجة عن تلك الشظايا، فلا بكاء العيون سيغير الأحوال، ولا استجداء المصابين سيخرج تلك الشظايا من أعينهم مادام أشباه ذلك الحلاق اللئيم يعيشون بينهم !
وخزة قلم :
الراقصون فوق الجثث على أصوت المزامير لا يسمعون طقطقة عظام صدورهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى