يعدّ الجلوس لفترات طويلة أحد أنماط الحياة المكتبية، حيث مقدار الطاقة المبذولة ضئيل للغاية. ومن سلوكيات الحياة المكتبية كذلك الجلوس لفترات طويلة أمام البرامج التلفزيونية وعلى الألعاب الإلكترونية وفي كرسي القيادة أو على المكتب في العمل.
وتترك هذه السلوكيات المكتبية أصحابها عُرضة أكثر من غيرهم للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسُكري من النوع الثاني، وصولاً إلى الوفاة المبكرة.
وهذا الوقت الطويل الذي نقضيه جالسين يعدّ أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بعدد من الأمراض. وفي عام 2020، أوصت منظمة الصحة العالمية بعدد من التدابير للحدّ من سلوكيات الحياة المكتبية.
وفي الماضي، كان الباحثون يفرّقون بين السلوك المكتبي وقلة النشاط البدني. وقد يقوم المرء بتمارين بدنية كل يوم، ولكنه مع ذلك يجلس لفترات طويلة جدا.
على أن خطورة السلوك المكتبي تكون أعلى في حال أولئك الذين لا يقومون بتمارين بدنية كافية.
ولكن، لماذا يزيد نمط الحياة المكتبية من خطر إصابة صاحبه بأمراض القلب والأوعية الدموية؟
الفرضية الأساسية تشير إلى تعطّل وظائف الأوعية الدموية، وتحديدا في الساقين. ويعدّ الجهاز (القلبي) الوعائي مسؤولاً عن استمرار تدفق الدم والسائل الليمفاوي عبر الأوعية الدموية بالجسم– وهو يمثل جزءا من الجهاز المناعي.
ديفيد دانستان، الباحث في معهد النشاط البدني والتغذية بجامعة ديكن في أستراليا، عكف على دراسة آثار الجلوس لفترات طويلة وكذلك التدخلات الممكنة للحد من تلك الآثار.
يقول دانستان إن “الجلوس لفترات طويلة يعني انخفاض النشاط العضلي”.
ويوضح أن مجموع الآثار الناجمة عن انخفاض النشاط العضلي، وانخفاض الطلب على التمثيل الغذائي، وقوى الجاذبية – من شأنه أن يقلص تدفق الدم المحيطي إلى عضلات الساقين، مما قد يتسبب في تجمّع الدم في ربلة الساق (العضلة الخلفية في الساق).
وفي وضعية الجلوس، عادة ما تكون الساقان مطويتان، ما يمكن أن يسفر عن نقص تدفق الدم.
وبدوره، يؤدي نقص النشاط العضلي بالساقين إلى نقص في طلب عضلات هاتين الساقين على التمثيل الغذائي. ويعدّ الطلب على التمثيل الغذائي دافعاً أساسيا لتدفق الدم، مما يعني انخفاضا في تدفق الدم بالساقين. وانخفاض تدفّق الدم بالساقين بدوره، يقود إلى تضييق الأوعية الدموية.
يقول دانستان إن “هذا التعطل في وظائف الأوعية الدموية يعد أحد السيناريوهات المحتملة للجلوس لفترات طويلة”.
ويعتقد الباحثون أن الجلوس لفترات طويلة بعد تناول وجبات عالية الدسم يمكن أن يورث أضرارا صحية خطيرة.
وكذلك الجهاز العضلي الهيكلي، يمكن أن يتأثر بالسلب. ويسهم الجلوس لفترات طويلة في تقليص قوة العضلات، وفي انخفاض كثافة العظام.
علاوة على ذلك، يمكن أن يُسفر الجلوس لفترات طويلة عن إرهاق جسدي، وتوتر في مكان العمل، واكتئاب. بل، قد يصل الأمر إلى التقرحات الناجمة عن الضغط.
ويحذر ديفيد دانستان -المتخصص بالأساس في داء السُكري من النوع الثاني- من أن نمط الحياة المكتبية يمكن أن يؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم بعد تناول الوجبات.
والآن، وبعد ما رأينا من مخاطر صحية مترتبة على الجلوس لفترات طويلة، فلماذا لا نكسر تلك العادة السيئة؟
“أعتقد أن الناس أصبحوا يتبعون نمط الحياة المكتبية لأن المجتمع يشجّعهم على ذلك”، يقول بنيامين غاردنر الباحث في علم النفس الاجتماعي بجامعة سري البريطانية.