التقنية والإعلام الجديدالثقافيةتحقيقات وتقاريرحوارات خاصةعام

الناقد إبراهيم أردش: الفن يؤثر في المتلقي.. وحوار الثقافات ضرورة

التمكن من التعامل مع معطيات التحول الرقمي جزء أصيل من الثقافة المعاصرة

حوار: محمد بربر

يلعب الفن والثقافة دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي؛ إذ يدفعان الناس للتفكير في حل المشكلات بطرق إبداعية، ويعملان على توسيع آفاق الفكر وتحفيز الفكر النقدي، كما أن عملية التعرض للثقافات والفنون المختلفة يمكن أن تساهم في تعزيز فهم الناس للعالم وتزيد من مساحات التسامح والتفاهم بين الشعوب، خصوصًا وأن الفنون وسائل مناسبة للتعبير عن الأفكار والمشاعر وإثارة النقاش حول القضايا بما يشجع على التغيير الإيجابي في المجتمعات.

في السطور التالية، نحاور الناقد الأدبي إبراهيم أردش، الحائز على جائزة الشارقة في النقد، حول علاقة الفن بثقافات الأجيال الجديدة.

س: بدايةً.. كيف يُساهم الفن في تشكيل الوعي وبناء العقل؟

 ج: الفن وإن كان يخضع في أصله إلى الخيال والأنساق الجمالية الحاكمة لأطر العملية الفنية، إلا أنه نتاج عقل واعٍ له خلفيته الفكرية والثقافية والتي ستمرر عبر التشكيل الجمالي للعمل الفني بطريقة ما، وبالتالي الفن يبرز ثقافة المبدع ويؤثر في المتلقي، ومن ثم فإن للفن دور كبير في تشكيل الوعي وبناء العقل، فقد يُغيِّب عقولًا ويُحيي عقولًا، وتبقى على الفنان مسؤوليتان، الأولى: أن يكون صاحب رسالة سامية تغرس في عقل مستقبله الأفكار النبيلة والمُثل العليا، والثانية: أن يكون متمكنًا من أدواته ممتلكًا لها، فلا ينبغي للفنان أن يلقي رسالته بأسلوب مباشر، أو ينصاع للرسالة وينسى الفن -أي فن- والذي له طبيعة خاصة تختلف عن الخطاب العادي.

خطاب التسامح وقنوات العنف

 س: وما الآليات التي تساهم في جعل الفن يحقق التنمية المجتمعية والقيم الإنسانية؟ 

 ج: ربما كان الفن موجودًا بتنويعاته المختلفة المتباينة من قبل أن تتشكل المجتمعات، وظل مرتبطا بالإنسان على مر التاريخ، فالإنسان كائن مبدع يمتلك من المهارات المختلفة الكثير، ويستطيع أن يوظفها بالطريقة التي تخدمه وتخدم من حوله، ويمكن أن يؤدي الفن رسالته في التنمية المجتمعية، عندما يتبنى الفنان مسؤوليته تجاه تعزيز خطاب التسامح والتصدي لخطاب الكراهية والعنف، وهذا يلزم الفنان بأن يكون على دراية كبيرة بالواقع المحيط به، وأن يدرك ما يلزمه المجتمع والإنسانية بصفة عامة وأن يتبنى خطاب التسامح والسلام والمثل العليا ونبذ التطرف والإرهاب والعنف، من خلال ما يمتلكه من أدوات فنية ومهارات إبداعية.

س: دار الكثير من الجدل حول الحوار بين الثقافات.. أين الفن منه؟ 

ج: من الصعب أن يعيش الإنسان معزولًا عن محيطه وأن يكتفي بذاته عن الآخرين، كذلك المجتمعات لا يمكن أن تعيش في عزلة، بل إنها تتعاون مع المجتمعات الأخرى وتقيم معها حوارات فعالة لتبادل المنفعة، مثل التعاون الاقتصادي، كذلك لا يمكن أن تحيا ثقافة ما في انعزال تام، ولو تتبعت تاريخ حضارة من الحضارات ستجدها منفتحة ثقافيًا في أوج ازدهارها ولنا في الحضارة العربية إبان العصر العباسي مثلا جليًا، حيث استطاعت أن تستفيد من الحضارة اليونانية القديمة بل والفارسية والهندية، فتقدمت الثقافة العربية حينئذ تقدمًا كبيرًا لمَّا تحاورت مع الثقافات الأخرى ونشطت حركة الترجمة، وفي العصر الحديث لا يمكن أن نغفل عن دور رفاعة الطهطاوي الذين تمكن من ثقافته العربية الأصيلة وتشبع بها، ثم أقام حوارًا مع الحضارة الغربية، ما أدى إلى نهضة ثقافية عربية أثرت في أجيال كثيرة وخرج على إثرها أعلام في شتى المجالات، إن تعزيز الحوار بين الثقافات أمر لا غنى عنه فالثقافة إذا انعزلت تفقد كينونتها، لكن ينبغي أن يكون ذلك الحوار فعالًا إيجابيًا ذا أثر، وفرق كبير بين أن تقيم حوارًا مع ثقافة أخرى وبين أن تكون تابعًا لها. 

س: وأنت تشارك في عدد منها.. هل تؤدي المهرجانات الفنية دورها في تشكيل الوعي عند الأجيال المختلفة؟ 

 ج: لكي تؤدي المهرجانات الفنية دورها في تشكيل الوعي عند الأجيال المختلفة؛ عليها ألا تكتفي بالأدوار الشكلية التقليدية للمهرجانات، أو لا يكون هدف المهرجان خلق حالة من البهرجة الإعلامية التي وإن كانت تبرز جهود القائمين على المهرجانات إلا أنه قد تغفل الثمرة التي من أجلها يتم إقامة المهرجانات، لذلك ينبغي أن يدرك القائمون على المهرجانات الفنية أن ثمة رسالة تعنى بتشكيل الوعي وتكوينه ينبغي أن تصل وأن تحقق أهدافها المرجوة.

س: كيف تنظر إلى التحول الرقمي ودوره في مستقبل الفن والثقافة؟ 

 ج: التحول الرقمي هو سمة العصر التي ينبغي أن يتصالح معها، وقد أصبح له فعل السيطرة، وقد دخل إلى كل شيء في الحياة وصار لازمًا على الجميع أن يتعامل من خلاله، ولم تكن الثقافة والفنون بمعزل عن التحول الرقمي، فعلى صعيد الكتابة الأدبية برز ما يطلق عليه الأدب الرقمي وكذلك الأدب الرقمي التفاعلي، أدب يصبح الوسيط فيه سيد الموقف، وبالتالي هذا يلزم الأديب أن يكون على دراية كبرى بهذا العالم الافتراضي وأن يمزج الكتابة الأدبية بالوسائط التفاعلية المختلفة، وقد دخلت الأنواع الأدبية المختلفة إلى حقل الأدب الرقمي واستطاعت أن تستفيد منه وأن يستفيد منها، وكذلك بقية الفنون تأثرت بالتحول الرقمي، التمكن من التعامل مع معطيات التحول الرقمي جزء أصيل من الثقافة المعاصرة.

الشباب والفنون ومسؤولية المبدعين

س: ما الآليات التي تعزز تفاعل الشباب مع الثقافة والفن؟

 ج: هناك رأي سائد يتمثل في أن الشباب غير معني بالثقافة والفن وهذا في تصوري غير صحيح، ثمة شباب على قدر كبير من الثقافة الموسوعية ويمتلكون الكثير من المهارات الإبداعية، كما أن المكتبات العامة وقصور الثقافة وغيرها من المنشآت الثقافية منتشرة في كل المدن والقرى تقريبًا، ومع ذلك يقع على عاتق الفنانين والمبدعين مسؤولية جذب مزيد من الشباب نحو الثقافة والفن، ومن السهل أن يتحقق ذلك، وقد سهلت وسائل التواصل وحركة التحول الرقمي وصول أشكال الفن المختلفة إلى جميع الفئات، فقط يظل على المبدع إدراك مسؤوليته وتحمل الأمانة التي ألقيت على عاتقه بإخلاصٍ وتفانٍ.

 س: هل الجوائز وأنت حاصل على عدد منها مهمة للمبدع؟

ج: بالتأكيد الجوائز مهمة للغاية وتمثل دافعًا وحافزًا كبيرًا للمبدع وتدفعه إلى الأمام ولا شك أن الجوائز التي حصلت عليها كانت فارقة في مسيرتي الإبداعية والكتابية فالحمد لله قد حصلت على العديد من الجوائز آخرها الفوز بالمركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي فرع النقد الأدبي، الإصدار الأول، الدورة 27، العام الجاري، عن دراستي (تقنيات سرد ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة “التمثيلات السردية في الألفية الثالثة”)، والتي صدرت في كتاب بعد ذلك من قبل إدارة الدراسات والنشر بدائرة الثقافة بالشارقة. وقبل ذلك بعدة أشهر حصلت على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في جائزة علاء الجابر للإبداع المسرحي، الدورة الثالثة، ضمن مسابقة فئة النص المسرحي الموجه للأطفال (دورة المؤلف الإماراتي سالم الحتاوي) عام 2023، عن نص (سعيد كار)، وفي مطلع العام نفسه حصلت على المركز الثاني مسابقة إقليم شرق الدلتا الثقافي، فرع المقال النقدي، عن مقال (جماليات القصيدة الخاطفة)، وفي عام 2022 وصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة ابن المقرب الأدبية، الدورة الثانية، فرع الدراسات الأدبية (نقد الشعر)، قبل ذلك بأشهر قليلة حصلت على المركز الثالث في مسابقة النقد الأدبي (الشاعر أحمد مبارك في عيون الوطن) التي أقامها مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية والتابع لصندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة المصرية، عن مقال (السرد الشعري وتعزيز الانتماء الوطني في شعر أحمد مبارك).

 ولا شك أن هذه الجوائز قد شكلت جانبًا مهما في مسيرتي، ومع ذلك هناك جوائز أخرى تقدمت إليها ولم أوفق وأجد ذلك طبيعيًا، ولا ينبغي أن يؤدي عدم الفوز بجائزة ما المبدع إلى الإحباط، بل عليه أن يستمر في عملية الإبداع مخلصًا لها متماهيًا معها دون أن يربط نجاحه الأدبي بالحصول على الجوائز، كما لا ينبغي للمبدع الذي يحالفه التوفيق دائما في نيل الجوائز الركون إلى ما قدم وأنه قد وصل إلى منتهى ما يمكن أن يصل إليه مبدع، أو أنه قد أصبح من الرواد الذين يُقتدى بهم، بل عليه أني بدع وكأنه لم يبدع من قبل. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com