المقالات

إيران وإسرائيل: التحالف الخفي!

عندما قامت إيران بالرد على هجوم إسرائيل على قنصليتها في دمشق في أبريل الماضي، استخدمت صواريخ استغرقت في رحلتها كي تصل إلى إسرائيل ثماني ساعات، وبالطبع لم تستهدف تلك الصواريخ الكنيست أو أي أهداف حيوية أخرى، وعندما استهدفت إيران من خلال الحوثيين منشآت نفطية في بقيق في السعودية في سبتمبر 2019، استخدمت صواريخ وصلت إلى أهدافها في دقائق معدودات وأصابت أهدافها بدقة متناهية. ماذا نفهم من تلك المقارنة؟ الرسالة في منتهى الوضوح: السعودية هي المستهدف الأوَّل لإيران، وليس إسرائيل.
اليوم نقف أمام مشهد غاية في التعقيد، لكن رغم ذلك يمكن تفكيك ذلك المشهد لمعرفة حقيقته وفهم ما ينطوي عليه من ملابسات وتناقضات. إسرائيل تضرب هنا وهناك، ثم تطلب من الوسطاء الدوليين التهدئة والتغاضي من قبل الأطراف المستهدفة، وتأتي الردود من وكلاء إيران على استحياء، حيث تبدو المقارنة غير واقعية. ويتكرر ذلك المشهد مرارًا وتكرارًا، ويتخلله زيارات مكوكية لوزير الخارجية الأمريكي “بلنكن”، وتنهال خطابات وعبارات الشكر لقطر لجهودها في الوساطة والتهدئة.
ويصل المشهد إلى ذروته باغتيال رئيس مكتب حماس “إسماعيل هنية” في طهران التي يفترض أنها كدولة لها وزنها الإقليمي، ولديها جهاز استخبارات من أقوى أجهزة الاستخبارات في المنطقة أن توفر الحماية لضيفها المطلوب إسرائيليًا، لكن المبنى الذي كان تحت حراسة الحرس الثوري الإيراني تم اختراقه أمنيًا من قبل العملاء (إسرائيليون – إيرانيون) عندما فشل في تغطية الحماية للضيف الحمساوي. الأغرب من ذلك صلاة الجنازة التي أقيمت لهنية في جامعة طهران والتي أمَّ فيها المصلين آية الله علي خامنئني ، وأيضًا صلاة الجنازة على الغائب التي شملت العديد من الدول الإسلامية، والتي فاقت بعشرات المرات مثيلاتها التي أقيمت عندما اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، فهل كان هنية أكثر وطنية وشعبية وإخلاصًا للقضية من الشيخ ياسين والرنتيسي؟… ولماذا كان هنية يقود حماس من قطر؟ وهل الخارج بالنسبة لزعماء حماس أكثر أمنًا من الداخل؟.. أو ليس من الأفضل والأجدى أن تكون القيادة في الداخل بدليل رئاسة السنوار المقيم في غزة للحركة بعد اغتيال هنية؟ ثم أليس من المستغرب أن تنجح إسرائيل في اغتيال هنية في إيران وتفشل في اغتيال السنوار الموجود في غزة التي تقع تحت سيطرتها منذ عدة أشهر؟ هذه ليست إلا بعض الأسئلة التي تخاطب العقل بعيدًا عن العواطف المتأججة. وربما أن البعض اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو غبيًا عندما اغتالت إسرائيل القيادي في حزب الله فؤاد شكر في غضون نفس الوقت تقريبًا الذي اغتالت فيه هنية. فقد اعتبر أولئك البعض أن إسرائيل بهذين الاغتيالين تفتح على نفسها أبواب جهنم، لجهة ما يتوقعونه من ردود فعل عنيفة متوقعة من قبل إيران التي انتهكت سيادتها باغتيال هنية على أراضيها، واغتيال أحد قيادي حزب الله البارزين.
بعد مضي أكثر من أسبوع على صدور الوعيد الإيراني بالرد على إسرائيل، ما زالت ردود الفعل من وكلاء إيران متواضعة ودون التوقعات، وتصل المهزلة إلى ذروتها عندما اعتبر حسن نصر الله هذا التأخير بأنه شكل من أشكال العقاب على إسرائيل.
نأتي الآن لظاهرة الإعجاب التي تسود الجموع في عالمنا العربي على إثر صدور التصريحات الإيرانية وخطاب حسن نصر الله، وفي محاولتنا تفسير هذه الظاهرة، نقول إنه يمكن تشبيهها بنظرية القطعان أو العميان الذين تأخذهم الحماسة في سلوكياتهم دون التمعّن والتفكر في حقيقة الأحداث. الأمثلة على ذلك كثيرة، وأكبر مثال على ذلك نكسة 67، التي تسبب فيها الرئيس جمال عبد الناصر- الذي كانت خطاباته النارية التي يتوعد فيها إسرائيل ويتهددها بالدمار والزوال- عندما تنحى في التاسع من يونيو من ذلك العام وخرج الملايين من أبناء الشعب المصري يهتفون له يطالبونه بعدم التنحي بالرغم من تسببه في النكسة التي أضاعت سيناء والضفة الغربية والقدس وغزة والجولان، وعندما توفاه الله مشى في جنازته الملايين. اليوم عندما يذكر هذا الاسم أمام أي مواطن مصري – إلا النزر اليسير- فإنه يعتبر عهده عهدًا للظلم وتراجعًا لمصر في كافة المجالات، ولا يحمد ذكراه.
غنى عن القول إن المشهد الراهن لا يعدو كونه مسرحية جديدة في سلسلة مسرحيات المشهد السياسي العربي الحافل بالتناقضات والمفارقات، ويمكن تلخيص ذلك المشهد من منظار واقعي بأن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يريدان أن تظل إيران قوية كي تظل “البعبع” الذي يتهدد دول الخليج، ومن مصلحة إسرائيل أن تظل إيران عدوًا لدول الخليج، وأن لا تحاول التخلص من ذلك العدو، فعدو واحد لتلك الدول أفضل من عدويين (إيران وإسرائيل)، وطالما استمر التهديد الإيراني للمنطقة، لدول الخليج خاصة، فإنه ستظل (إيران) هناك عدوًا مشتركًا للطرفين؛ لذلك فإنه من المستحيل السماح بتغيير معادلة التوازن في المنطقة، تحالف مستتر وغير مباشر بين إيران وكل من واشنطن وتل أبيب، غايته حماية وتقوية النظامين واقتسام مناطق النفوذ في المنطقة.. فيما تبقى غزة الضحية كونها الطرف السني الوحيد بين وكلاء إيران في المنطقة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى