“فندق رواندا” فيلم أمريكي أنتجته هوليود عام (2004) مدّته ساعتان، كان أشبه ما يكون بفيلم وثائقيّ دقيق، شاهدته منذ سنوات، لكنّه مازال عالقا بذهني، إذ كان صادما بما احتواه من حقائق شنيعة عمّا قام به الاستعمار الفرنسيّ في القارة السمراء، ومازال مستمرًا؛ إذ تفرض فرنسا توجهاتها العنصرية على العالم، حيث رفضت المحكمة الدستورية العليا بفرنسا، في سبتمبر/أيلول 2017، طلبا قدّمه باحث وهو يجرى أبحاثا حول مجازر رواندا؛ للوصول إلى الوثائق المتعلّقة بفترة وقوع تلك المجازر.
قد يقول قائل لماذا نذكر ذلك الآن وفرنسا تثبت أن السنين تغيرت؟ إنّ النظرة الدونيّة للآخرين ظلّت راسخة، بل أطلّت بوجهها القبيح على العالم في الأولمبياد القائم. ولا شيء تغيّر…. فلا زالت فرنسا حتى اليوم تقدم نموذجا للعنصريّة والإقصاء واستخدام الآخرين واستعبادهم، حيث تدفع أجورا زهيدة في بيئة عمل صعبة جدا للقادمين إليها من دول حاربت شعوبها الاستعمار الفرنسي لنيل الاستقلال.
بل خلال تلك الحقبة السوداء من تاريخ البشرية، استغلت أوروبا -وبالأخص فرنسا- شعوب إفريقيا، ونهبت ثرواتها، وارتكبت مجازر بحقّها، فضلا عن ضلوعها في تجارة العبيد. وعقب إطلاق فرنسا لأنشطتها الاستعمارية، عام (1524)، أسست حكمها الاستعماري في (20) دولة بين شمالي وغربي قارة إفريقيا. وعلى مدار ثلاثة قرون تقريبًا، استطاعت إخضاع 35% من مناطق القارة السمراء لسيطرتها الاستعمارية. فقد استخدمت فرنسا دولا إفريقية، مثل السنغال وساحل العاج وبنين، كمراكز لتجارة البشر، إضافة إلى استغلال ونهب موارد الدول الأخرى، واستمرت الفترة الاستعمارية الفرنسية في مختلف المناطق الإفريقية حوالي خمسة قرون. ومع اندلاع الثورات العربية الكبرى ضد الاستعمار الأوربي، واصلت فرنسا استخدام العنف والقوة الدموية بشكل ممنهج في الجزائر، حتى حصل على استقلاله عام (1962)، بعد استعمار دام (132) عاما، وكذا فعلت مع تطلعات الشعوب الأخرى إلى الحرية، فقتلت فيما حصيلته أكثر من مليوني مواطن إفريقي.
لن ينسى التاريخ قتل الجيش الفرنسي آلاف الجزائريين ممن تظاهروا ضد فرنسا التي وعدتهم بالاستقلال، فاندلعت الحرب في عموم البلاد حتى نالت استقلالها بعد مقتلة عظيمة، وصار اسمها “بلد المليون شهيد”. كما مارست فرنسا حرب إبادة ثقافية؛ فعملت على القضاء على الهوية الجزائرية العربية، التي يمتد تاريخها إلى (300) عام. وأقدمت على تغيير معالم دينية وتاريخية عديدة لطمس هويتها العربية والإسلامية.
لقد ارتكبت فرنسا انتهاكات كبيرة في مجال حقوق الإنسان في الدول التي كانت تمتلك نفوذًا سياسيًا فيها، بينما تتشدّق مع آخرين بحقوق الشاذّين، وحرية تغيير الجنس، ويشرعنون استغلال الأطفال، فهل العقل الغربي هو الأحق بتقرير القيم كما قال الفيسلوف الفرنسي أوليفير ” الغرب وحده يملك صلاحية تحديد القيم”. ونحن نقول إن الثقافة الغربية لم تكن يوما مخوّلة للتحدّث باسم الثقافات الإنسانيّة، بل إنّ الواقع اليوم يدلّل على أن العالم الغربيّ بأسره يعيش مرحلة اللأخلاق وانتكاسة الفطرة السليمة. وإنّ الفكر الإسلامي الذي يحاربه النموذج الليبرالي الذي تتزعمه فرنسا قادر على تعرية الفكر الغربي الذي يهدف للسيطرة على العالم بأسره وعلى بث سمومه باسم الحرية الشخصية.
لانذكر هذه الأمثلة اليوم لاجترار تاريخ الاستعمار السّيء، بل للتأكيد على أنّ التاريخ المعاصر لازال شاهدا على ازدواجية معايير الحضارات الزائفة ومنهجية الاقصاء المتعمّدة التي لا تستوعب إلا مصالحها في الإبادة المتعمدة لثقافات الآخرين. من خلال فرض قيم غربية على أنها عالميّة إنسانيّة لكي تتفوّق ظاهريًّا. وهذه الحضارات التي انحطت أخلاقيًّا بالضغط في اتجاه الفردانيّة وحرية تغيير الجنس لازالت -رغم امتلاكها زمام القوى العالمية المادية ظاهريًا من خلال سيطرتها على الآلة الإعلامية- ضعيفة؛ لأنّ معاييرها متذبذبة محكومة أولا بعنجهيّة وعنصريّة متجذرة، ثمّ بمصالح إمبرياليّة ثقافيّة تاريخيّة لغرض فرض السيطرة والنفوذ على العالم بأسره.
خلاصة القول إنّ مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة أمامها مهمّة أساسيّة، هي تعرية التاريخ الاستعماريّ الذي تحوّل من استعمار الآلة إلى استعمار الفكر بكل وسائل التقنية. كما عليه مهمة توضيح الفرق بين القيم الغربية التي تروّج لها الآلات الإعلامية القوية التي اقتحمت البيوت واستحوذت على العقول، وبين القيم الإنسانية التي أتى بها الإسلام دين الحق، وعزز لها الوحيين بكل وسيلة ممكنة من خلال قصص القرآن والسيرة النبويّة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وللحديث بقية.
ماشاءالله تبارك الله. جزاك الله خيرا. اجدت وافدت.
جزاك الله خير الجزاء :- دكتورة أماني الغامدي .
على طرح هذا الموضوع والذي يعكس صراع الحضارات في زمن تدني الأخلاقيات عند البعض …..
كما وتعلمنا :- تنهض الشعوب بالوعي والمنطق والفكر …
.وليس بعرض الرايات المزيفة اللامنطقية …….