المقالات

خلّي الفار يلعب في عُبّك!

في القرن التاسع عشر الميلادي اكتشف عالِم الأمراض العصبية الألماني (ليوبارد أورباخ) الضفيرة العضلية المعوية أو “ضفيرة أورباخ” بالإنجليزية (the myenteric plexus)؛ تلك المسؤولة عن الحركة الإرادية واللاإرادية للجهاز المعوي، والتي تُعد كدماغ آخر في جسد الإنسان. تحتوي هذه الضفيرة على خلايا عصبية تماثل تلك الموجودة في الدماغ، وتعمل بكل استقلالية عن الجهاز العصبي المرتبط بالمخ. لذا يرى العلماء الآن أن هذه التكتلات البطنية العصبية ليست مسؤولة فقط عن العملية الهضمية بل لها وظائف ذات تأثير على الوعي ذاته!
لذا قد تسمع من يقول مثلًا: “الفار يلعب في عبّي!” نسبةً للشعور الذي يساورك عند اتخاذ قرار فتشعر حينه؛ وكأن بطنك تشير بأنه قد يكون خاطئًا – وليس عقلك – أو أن هنالك ما يخفى عليك بالأمر، أيضًا تجد كما هو دارج في الإنجليزية (Trust your gut feeling) الذي يعني “ثِق فيما تشعر به في بطنك!” دلالة على الحال ذاته!
يرى العلماء أن هذا الشعور “البطني” ميزته في أنه يعمل بشكل حدسي في غياب تام عن واقعية ومنطقية العقل؛ فتجده يبعث بالحدس الخام عاكسًا لمشاعر خالصة بدقة أكثر! تذكر (إيما سيبالا)؛ عضو هيئة التدريس في جامعة ييل الأمريكية ورئيسة معهد ستانفورد للتأثير العلمي والأخلاقيات، في كتابها (السيادي) أو (Sovereign)، أن هذه الأنظمة الحدسية في جسد الإنسان تم تطويرها على مدى عقود من التطور البشري لتوفير أدوات ووسائل مختلفة لمساعدة البشر على البقاء.
قد يكون لكل منا مثال حيّ عشناه أو حُكي لنا عن كيف أن هذا الشعور قد جنب البعض منا الوقوع في العديد من المشاكل أو قام بمساعدتنا في اتخاذ القرار قد لا نكون بالضرورة قادرين – منطقيًا – على البت فيه وقمنا باستخدام الحدس أو الشعور الغريزي – الناتج من البطن – للاختيار، تذكر (إيما) في كتابها كيف أن الرقيب أول (مارتن ريتشبرغ) كان في مقهى للإنترنت في قاعدة عسكرية في العراق يتحدث مع زوجته في الولايات المتحدة عندما شعر بشعور حدسي غريب تجاه أحد الموجودين في المقهى؛ فأنقذ حياة العشرات من مرتادي المقهى حين تم اكتشاف أن الشخص المعني قد قام بزرع عبوة ناسفة بالمقهى.
فعليه، دع الفار يلعب براحته!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى