في مساحات العقول الفارغة، الخالية من أدنى إشارات الحكمةِ، والتريُّثِ، والتمييز، التي ترسم للتفكير مساراته، هناك يتجوَّلُ الشيطان بكلِّ حريٌّة، يذكي نيران الغضب، وينفخ عليها بوساوسه الحاقدة المسمومة، المتعطشة للزَّلل، حتى إذا تصاعد منها دخان الطيش، غطى كل طرق الوصول الآمن، فارتطمت الأفكار بما يواجهها من وسائل الاستفزاز، وانجرفت خلف تيارات الشكِّ والظن، وسقطت في وحل الخطيئة، وكانت النتيجة كيانًا يتهاوى، أو كارثةً لا تُداوى.
إنَّ أكثر ما نعانيه من مشكلات، وما نقع فيه من أخطاءٍ وزلات، وما نعايشه ونشاهده من كوارث الحالات، ليس إلا نتيجةً حتميَّةً لانقياد النفس وراء عقلٍ يسير في ضبابيَّةٍ من الغضب دون تخوُّف، فتنعدم رؤيته لما يرشده للتريث، أو ما يوجهه إلى السكينة والهدوء والتوقف. الأسر التي تفككت، والأطفال التي يُتِّمت أو شُرِّدَت، والنفوس التي أزهقت، والأرحام التي قطعت… كلُّ ذلك كانت وراءهُ لحظة غضبٍ وطيش، لم يُفِق أصحابها من غفوتهم، ولم ينتبهوا لهفوتهم، إلا وقد كُسِر مالا يُجْبَر، وصَفْوِ العيش قد تكدَّر، ولو كبحوا جماح عقولهم، وألزموها التوقف جانبًا، والتمهُّلَ في اندفاعها حتى ينجلي ما أكتسح طريقها من غضب، لجاءت النتائج مرضية، لأن كلُّ أناةٍ وتؤدَةٍ إلى السلامة مُفْضِيَة، وقد قيل في المثل: (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة)، وقبل هذا وذاك أوصى الحبيب -ﷺ- ذاك الرجلَ الذي استنصحَهُ، فقال له: (لا تغضب) وكرٌّرها عليه مِرارًا، وجاءت وصاياه -ﷺ- بأدويةٍ كثيرةٍ للغضب؛ كلُّ ذلك لأن العواقب غيرُ محمودة، ولأن النتائج لن تكون أبدًا مردودة، والشواهِد على ذلك بين الحين والحين غير معدودة.
0