المقالات

القبول الجامعي: طريق التعلّم مدى الحياة

التعلّم مدى الحياة هو نهج للتعلّم – سواء في سياق شخصّي أو مهنّي – وهو مستمر يعتمد على الدافع الذاتيّ. يمكن للتعلّم أن يكون مدى الحياة رسميًّا أو غير رسميّ، ويحدث طوال حياة الفرد، “من المهد إلى اللحد” كما جاء في الحديث الشريف. أصبح بعض الأشخاص، في كثير من دول العالم شرقًا وغربًا، طلابًا بدوام كامل – ويواصلون الدراسة لفترة أطول من سنّ الأربعين بينما يعملون من حين لآخر فقط – أسميهم طلابًا مدى الحياة. إذًا ما علاقة هذا بالتعليم الجامعيّ والقبول في الجامعة؟ تتناول الأقلام في مثل هذه الأيام من كلّ عام موضوعًا مؤرّقًا للأسرة السعوديّة يتعلّق بالقبول الجامعيّ، ثمّ يختار بعضهم تعزيز فكرة إقصائيّة وهميّة تقوم على أنّه لابدّ من فلترة القبول الجامعيّ، ليصبح أشبه بامتياز لفئة معينة، وهو مالا أتفق معه- كما الكثير- لأسباب عديدة أوجزها فيما يأتي:
التعليم الجامعيّ المجانيّ حقّ مكتسب للجميع: فلا شك أنّ وجود أغلبية متعلّمة تعليمًا عاليًا في مجتمع ما سيعود بالنفع على كافة أفراده. فلقد تغيّرت أهمية الذهاب إلى الجامعة على مرّ السنين وصولًا للقرن الحادي والعشرين. ولا شك أنّه إذا قضى الفرد وقته في الجامعة بحكمة، فسوف يتعلّم كيفية البحث: لن يتعلم الحقائق في الفصول الدراسيّة فحسب، بل سيتعلم أيضًا كيفية العثور عليها، وكيف يحكم ويميّز بين المصادر الصحيحة وغير الصحيحة. بالطبع، ليس كلّ من يتخرّج بدرجة علميّة حديثة، سيتمكّن من القيام بذلك، فلا بد من وجود رغبة حقيقية ودافعيّة للتعلّم الذاتي.
للتعليم الجامعي آثار اجتماعيّة لا فرديّة: إنّ الحصول على الدرجة العلميّة لن يمنح الطلاب الفرصة لاكتساب معرفة متعمّقة حول الموضوع الذي اختاروه فحسب، بل سيمكّنهم أيضًا من تطوير مهارات قابلة للنقل مثل مهارات التواصل والعرض وحلّ المشكلات، مع تعزيز قدرتهم على العمل كجزء من فريق.
الجامعات ليست مهتمّة بتدريس المعرفة بل بصنع المعرفة. صحيح أنّه يمكنك العثور على الكثير من المعلومات عبر الإنترنت اليوم… لكن معظمها يحتاج إلى عين فاحصة تنقّح وتفلتر، كذلك الحال بالنسبة للدّورات التدريبيّة عبر الإنترنت، والدورات المفتوحة وما إلى ذلك، إذ قد يكون بعضها جيدًا، لكنّ الكثير منها سيكون مضيعة للمال؛ فالفضاء المفتوح غير جدير بالثقة بشكل كامل، والجامعات ستظلّ هي الملاذ للباحثين عن العلم والمعرفة والمهارات.
الجامعات مراكز بحث علميّ: تقديم بعض الأبحاث ومتابعة التعلّم لا يمكن للمرء أن يقوم بها منفردًا من دون تبصير من أستاذ أكاديميّ، عدا عن أن بعض التخصّصات تحتاج إلى موارد باهظة الثمن. وهي موجودة أصلا في الجامعات، من المجاهر إلى المكتبات المتنوّعة في تخصصاتها، وهي متاحة لأيّ شخص (مدرّب على كيفية استخدامها). إنّ الجامعات لا تشتري مجهراً إلكترونياً فحسب، بل تشتريه وتكلّف بعض الفنييّن المتخصّصين للإشراف عليها، وبالتالي يصبح بوسع كلّ من يحتاج إلى استخدامه- ولو لفترة وجيزة- أن يفعل ذلك. كما أنّ هذه المختبرات هي المكان الذي يتمّ فيه صنع المعرفة الجديدة. ولن تأتي الابتكارات من غير المتعلمين الذين لم يخوضوا غمار التعليم العالي؛ فالجامعات تقدّم كمًّا هائلًا من المعرفة المتخصّصة في مجال ما، وما يجب القيام به للتخصّص الأكبر وإلى أين يتجه التعليم بعد ذلك.
الجامعات هي المكان الذي يتم فيه إعداد البحث العلمي ونشره ونقل المعرفة جيلًا بعد جيل. فهي أهم ركائز الإمداد بالكوادر البشريّة في المجال الصناعيّ والتقنيّ والصحيّ والاقتصاديّ حيث تلعب هذه الكوادر دورًا محوريًا في تقدّم الأوطان وازدهارها من خلال ما تقدّمه من الإبداعات والاكتشافات التي يتوصل إليها الباحثون والمخترعون. إنّ الحصول على الدرجة الجامعيّة مهمّ لما ذكرت أعلاه؛ فالجامعة مهمّة لأنّها 1) تعلّم الطلاب كيفية القيام بالبحث العلمي 2) هي المكان الذي يمكن فيه إجراء البحث العلمي 3) بعض المهارات التي يتم تعلّمها هناك لا يمكن تعلّمها في أيّ مكان آخر 4) تقدم درجة علميّة تثبت أن الفرد واسع المعرفة 5) ليست كلّ المعلومات المتاحة في أي مكان آخر جديرة بالثقة 6) وليست كلّ المعلومات المحدّدة للغاية في موضوعات معيّنة واضحة أو متاحة في مكان آخر.
خلاصة القول إنّ الجامعات بحكم كونها حاضنة الفكر الإنسانيّ ومعقل المفكرين والباحثين والعلماء، تُمثّل طموحًا مجتمعيًّا عامًا؛ يطمح له كلّ فرد، ومن واجبنا كأفراد ومؤسّسات مجتمع مدنيّ أن ندعم إتاحة المجال للجميع، ورفع قيود السنّ والتفرّغ الكامل لإتاحة المجال لكلّ راغب بالدراسة أن يلتحق بالتعليم الجامعيّ المجاني وهو حق للجميع.

– جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. احسنت وأجدت. بارك الله بك. وأحب ان اضيف انه كذلك في الجامعات يصنع المجتمع ويبنى الفكر وتصهر العادات والعلاقات وتسهل التواصل الاجتماعي والاندماج وبناء الفكر الجمعي.

  2. بارك الله فيك.
    وأيضا لدي نقطة مهمة لقبول الراغبين ممن تجاوزت أعمارهم فوق سن 40 سنة في الدراسة الجامعية لا يشترط فيها معدل للراغبين في الدراسة الجامعية بكل مراحلها من درجة البكالوريوس ودرجة الماجستير ودرجة الدكتوراه
    إتاحة الفرصة بدون شروط أو قيود لأن الفرد أراد التعلم من تلقاء نفسه.
    وعلى ذلك يتم قبوله بدون قيود. سواء مجاني أو برسوم.
    وشكرًا لكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى