ضناني الشوق وازدادت شجوني
وكثر الدمع حرق جفوني
من اللي حبهم قلبي نسوني
ولا حتى بكلمة يذكروني
تناسوني وأنا قلبي معاهم
وجافوني وأنا وافي بهواهم
ولا فكرت مرة في جفاهم
وإيش أسباب هجري يهجروني
هذا ما كتب الشاعر اللحجي مهدي بن علي حمدون، وما لحن وتغنى به الفنان محمد مرشد ناجي عام 1955 من إذاعة عدن، ونالت نجاحًا كبيرًا، ومن ثم غناها الفنان المتألق محمد عبده، وانتقل بها من النجاح الكبير إلى النجاح الفاخر.
وإذا كان كاتب الأغنية والمحمدان قد أضناهم الشوق؛ فهل منا من لم يضنه الشوق؟!
وبعد هذه العبارة كأني أرى كلًا من القراء شمّر عن بنات أفكاره وشنّف آذانه في وارد التلهف لسماع ما سيأتي من أخبار العشق والغرام ليتذكر ما مضي، وإن كانت ذكريات لا تخلو من الشجن. وربما يقول البعض في نفسه الله على تلك الأيام، التي خلت كم تذوقناه وإن عليَّ ما قُسِمَ، ولو بالنظرة والهمسة التي خلتنا في حيرة ويا ما كنا سواء الاثنين في درب الهوي تايهين، وكيف دارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام.
وكم كانت كلمات الهوى والنوي الشعبوية تتراقص على ألسنة ومشاعر البحارة، وهم يدندنون سرى الليل يا نايم عليَّ البحر ماشي فايدة. من منام الليل يحل السرية. وسري الليل ورامي شباك الهوي. والبحر كله نوي وأنت حياتك شقية. ولكن لم يكن الشوق يومًا حكرًا علي عشاق الغرام والهيام. فالمعشوقات تتعدد والعشق واحد. هناك الأهل والصحبة وثقافة الحياة والعرف والتقاليد والبيئة. أما الديار فحدث عن عشقها ولا حرج، وإن أعادنا قسرًا للغرام والهيام العاطفي الشاعر قيس بن الملوح، وهو يتغنى بها ويقول: أمر عليَّ الديار ديار ليلي. وأقبل ذا الجدار وذا الجدار. وما حب الديار شغفن قلبي. ولكن حب من سكن الديار. ..
مهما حاولنا أن نبعد الحب من حياتنا؛ فإنه يلاحقنا ومن لم يأسره الحب فهو صب بالحب ذاته. فكم تمنى هذا الصب أن يهوى ليفرغ تلك الصبابة المشحونة بين أضلعه، ويبرئ ساحته من ظلم ذاته. وأن لا يكتب في سجل الزمان مر من هنا ولم يعشق. ومن ثم يتخيل حاله وهو يقول ما قال الشريف الرضي:
وَبي شَوقٌ إِلَيكَ أَعَلَّ قَلبي
وَما لي غَيرَ قُربِكَ مِن طَبيبِ
أَغارُ عَلَيكَ مِن خَلواتِ غَيري
كَما غارَ المُحِبُّ عَلى الحَبيبِ
أُسَالِمُ حِينَ أُبْصِرُكَ اللّيَالي
وَأصْفحُ للزّمانِ عنِ الذُّنُوبِ
وأنسَى كُلَّ ما جنَتِ الرَّزَايا
عليّ منَ الفَوَادِح وَالنُّدُوبِ
إذا قَرُب المزَارُ فَأنْتَ مِنّي
مكان الرّوح من عقدِ الكُروبِ
وَإنْ بعد اللّقَاءُ عَلى اشتِياق
تَرامقْنَا بِألحاظِ القُلُوبِ
أو يذهب الواحد منا بعيدًا؛ فيردد ما باح به الشاعر (طلال المسلمي)، الذي حتي الجماد جعل له روحًا تعشق وتألم وتحن. فيقول:
أرحم يديك فما في الدار من أحد
لا ترجَ ردًا فأهل الود قد راحوا
ولترحم الدار لا توقظ مواجعها
للدورِ روح… كما للناس ارواح
وهكذا يمضي ركب العشق لا يتوقف من أول التاريخ إلى ما شاء الله لا يكتفي منه عاشق ولا هو يُرحمُ.