حين نُدرك أن النقائص عميقة وأصيلة، وذات أسبقية في الوضع الإنساني سواءً على مستوى الأفراد أو على مستوى العموم حين نضع ذلك في اعتبارنا في تقييم الأشخاص والأفعال والأوضاع؛ فإننا نكون أقرب إلى الموضوعية والواقعية.
الفيلسوف الإنجليزي “فرانسيس بيكون” فيلسوف عظيم، وأثَّر على البشرية تأثيرًا إيجابيًا عظيمًا لكننا حين نقرأ سيرته نجد أنه ارتكب نقائص لا تليق، ولا يمكن تبريرها لذلك وصَفَه معاصروه ومن بعدهم بأنه:
(أعظم بني الإنسان وأحكمهم ولكنه مع ذلك أحقرهم)
هكذا جمع بين العظمة والحقارة.. إن النقائص في الإنسان هي الأصل، وكل فرد يستحق التبجيل بقدر ما تتقلص نقائصه، وبقدر ما تبرز إيجابياته فالكمال على البشر محال.
يقول الفيلسوف الأشهر ديكارت:
(أعظم النفوس قابلة لأفظع الرذائل مثل قابليتها لأعظم الفضائل)
حين ندرك أن النقائص هي الأصل نقدر في الآخرين أية إيجابيات، ونتخلى عن الشطط في التقييم سلبًا أو إيجابًا.
بهذا الإدراك لأولوية وتلقائية وأصالة النقائص نُقدر الإيجابيات ونتحمل السلبيات، ونتجنب تقديس الأشخاص مهما قيل عنهم من تمجيد ومبالغات؛ فنلتزم بالتقدير ونبتعد عن التقديس.
ومثلما أنه يجب تجنب التقديس إدراكًا لأولوية النقائص فلا عصمة لإنسان؛ فإنه يجب أن نلتزم بعدالة التقييم فمثلًا الكارهون لهتلر يصفونه بأنه غبي، وهذا يتنافى مع الحقيقة فهتلر مجرم وطاغية لكنه عبقري استطاع أن يؤثر على شعب ذكي بأكمله، واستهوى المثقفين والمفكرين، وكان خطيبًا مفوهًا كما أن كتابه (كفاحي) يدل على عقلية مفكرة وذات رؤية إستراتيجية بعيدة المدى فنقائصه الفظيعة لا يصح أن تحجب قدراته الباهرة؛ فهو صاحب قدرة لكنه ليس قدوة.
0