المقالات

ولائم الفلاشات

وردت كلمة “هياط” بعدة معانٍ في المعاجم اللغوية مثل: “لسان العرب” ومن تلك المعاني الصياح والجلبة، الذي يتوافق مع ما يمارسه البعض في زماننا الحالي من بهرجة وهياط؛ حيث باتوا يستميتون من أجل الظهور أمام الناس بصورة مضخمة ومختلفة عن حقيقتهم، وفي الغالب يُمارس مثل هؤلاء الأشخاص الهياط لغرض تعويض ما يستشعرونه من نقص أو البحث عن شهرة أو وجاهة اجتماعية. حتى وإن كلفته تلك الواجهة ديون بمئات الآلاف ، بل إن البعض منهم أصبح يتخذ هذا الهياط كنوع من الغطاء على بعض الأعمال غير المشروعة التي تدر عليه مئات الألوف بغير وجه حق لذلك فإن المهايطي بشكل مبسط هو: كل من يُبالغ في تقديم نفسه للآخرين بصورة تفوق قدرة العقل البشري على تقبلها أو تصديقها.

ونظرًا لكثرة موائد الهياط التي انتشرت مثل انتشار النار في الهشيم لا سيما في زمن سيطرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي على عقول البشر حتى بعض أولئك الذين كانوا مضرب المثال للاتزان والعقلانية، فقد انتشرت وفي تناسب طردي ظاهرة أخرى نشأت كنتيجة حتمية لتلك الموائد ألا وهي ظاهرة “الببغاوات البشرية” الذين وصل بهم الحال إلى التطبيل لأصحاب تلك الموائد والتكلف في عبارات المدح والثناء المبالغ فيها نثرًا وشعرًا على كل مائدة من موائد الهياط التي يحضرون إليها إمَّا من باب المجاملة والنفاق الاجتماعي، وإما من باب التنفع من أصحاب تلك الموائد، الذين أصبح لهم عالمهم من البهرجة والاحتفالات والموضات وانتقاء من يحضرون موائدهم التي نطلق عليها في اللهجة العامية (الفشخرة)، وهو المعنى الذي يشرح لنا مرحلة تعدى المهايط للهياط اللفظي إلى الهياط العملي؛ فتجد منهم من يقيم حفلات غداء أو عشاء يعزم فيها “فلان وعلان” من الناس، ويذبح فيها الكثير من الخراف البائسة، والجمال المصدومة من تحولها في آخر الزمان من سفينة للصحراء إلى هياكل عظمية على صواني قطرها المتر والمترين كنوع من الإسراف والبذخ الذي نهانا عنه ديننا الحنيف غير آبهين بمشاعر الفقراء والمحتاجين الذين قد لا يجدون قوت يومهم أو سد حاجات من يعولونهم .

ومسك الختام.. فإننا إذا ما دققنا في سبب ظهور هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعاتنا وخروجها عن كرم الضيافة العربي الأصيل، فإننا سنجد أن تقليد الناس لغيرهم بات آفة تنخر جسد المجتمعات؛ مما أدى إلى زيادة هرمون الهياط وأصبح من ابتلي بهذا الداء العضال يُظهر في كل وليمة يقيمها؛ وكأنه “حاتم الطائي” الذي بُعث من مرقده من خلال كمية الذبائح التي يقدمها للحاضرين، وحديثه عن أمواله الطائلة وعلاقاته المجتمعية وسياراته الفارهة وقصوره التي يصورها؛ وكأنها حدائق بابل في زمانها متناسيًا أن الهياط عدوان على الذات قبل المجتمع؛ لأنه امتلاء بالفراغ بلا مُنجز، وبهرجة وضجيج وجلبة من أجل لقطة الوقوف أمام الفلاشات !

وخزة قلم :
الهياط والتطبيل وجهان لعملة واحدة.

عبدالرحمن العامري

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى