منتدى القصة

مع النَّص القروي في «ألحان سردية»

(1) «ألحان سردية» عتبة عنوانية لافتة، تشير – صراحة – إلى (السراة) – المكان الجبلي الذي يمثل سلسلة جبلية في جنوب بلادنا السعودية، أو إلى السراة/ العلو الشاهق والارتفاع العالي، وإضافة (ألحان) من باب الصفة والموصوف، فـ(الألحان) هي الأصوات الموسيقية أو النَّبر والتنغيم والإيقاع في الكلام، و(اللحن) يغني – فيما يعنيه – الخطأ في القول أو المعنى منه بعيداً كان أو قريباً، وكل هذه المعاني تمكننا من تأويل العتبة العنوانية التي اختارها صاحبنا لهذه المدونة السردية/ مجموعة قصصية.
ويؤكد ذلك كله، اللوحة الفنيَّة التي اختارها المؤلف أو الناشر، والتي تمثل وادياً مخضراً وجبلاً تكسوه الشجيرات، وفي ذلك دلالة وإلماحة إلى إحدى قرى الجنوب وجبال السراة المكسوة بالشجيرات والمزروعات.
ولعل الأقرب لهذه القراءة النقدية/ الجمالية هي أن تكون العتبة العنوانية دالة على ما في المجموعة من استلهام لمفردات النَّص القروي/ وتراثيات الضواحي والأرياف السردية/ والانصهار في بوتقة استعادة المفقود من تراث القرن، وجماليات البيئة القديمة.

وفي النص القصي الأول الذي يحمل هذا العنوان العتباتي (ألحان سردية) نجد المفردات القروية التالية:
الجنبية الفضيَّة – المكتلين الفارغين، سعف النخل، الركيب، ألحان سردية موغلة في القدم، بيت من الشعر الشعبي/ ألا يا علي وش تقول الحمامة = تقول اطلعوا بي السراة عند تهامة).
وهذا يعني أننا أمام نصوص قصصية تتعالق في أبعادها التكوينية والجمالية والسردية مع معجم النصوص القروية ومفرداتها الشعبية مما يدلل على المكان والبيئة التي تتمحور حولها هذه الدلالات والمفردات.
وهذه ميزة جمالية/ سردية أن يتعالق القاص الأديب عبدالله ساعد – كما هو في مجموعاته القصصية السابقة التي قرأناها وعرفنا بها نقدياً – مع القرية وتمثلاتها القوية والمعانيوية والمفردية وهذا يؤكد ارتباطه بالنص القروي حسب تعريفنا له ذات قراءة ناقدة!!
* * *
(2) تحمل هذه المجموعة نوعين من السرد القصصي وهما: القصة القصيرة، وفيها (4 أربعة عشر) قصة قصيرة. والقصة القصيرة جداً/ الومضة (ق.ق.ج)، وفيها (6 ست) قصص قصيرة جداً.
ولعلِّي أبدأ بجماليات الـ(ق.ق.ج) وهي التي أسميتها ذات قراءة نقدية بـ/ (النص البخيل) ذلك أنها نصوص مكثفة/ كبسولة معرفية مركزة/ بإمكان المؤلف استثمارها كفكرة موجزة ثم يتوسع في أحداثها وأبطالها لتصبح قصة قصيرة أو طويلة، ولكنه آثر الاختصار والتكثيف اللغوي والدهشة والمفارقة والاختزال في إشراقات ذهنية وخاطرات فكرية/ سردية. وفيها الإيماء والرمز بعيداً عن تحليل الشخصيات واستبطانها أو سرد المقدمات والأحداث وتناميها، أو الوصف ومزيد التصوير، ويكتفي بالحدث في شرطه السردي بعيداً عن كل التفاصيل.
فهذه قصة متكاملة الأبعاد ولكنها (ق.ق.ج) ” خلف المقام وقف ليصلي ركعتين بعدها سيكمل النسك، اهتز الجوال برسالة قادمة.
– لم يتم ترشيحك للمنصب الجديد، حذف الرسالة، قطع العمرة، وعاد للبيت”.
وبإمكان القارئ أن يطبق عليها المواصفات السابق ذكرها ليجد أنه أمام سردية فائقة/ مكثفة/ رامزة/ موحية/ دالة فيها مفارقة وعجائب ودهشة النهايات فيها اختزال وتكثيف!! وهنا يكمن الجمال والإبداع موضوعاً، وأسلوب معالجة، وكينونة سردية جديدة، وعنونة لافتة (نكوص)!!
وفي باقي الـ(ق.ق.ج)، نجد هذه المنهجية الجمالية، والسردية الفاتنة بقلم واعٍ وإحساسٍ صادق، وتجربة شعورية متماسكة وناضجة.
ولأن الـ(ق.ق.ج) ابنة الحضارة والمدنية والماصرة مع جيل التويتر والواتساب وفضاءاتها السبيرانية المكثفة واختصاراً وتكثيفاً، فإن مفردات ومصطلحات النص القروية تسجل عملاً تاماً في هذه المدونات.. ولعل هذا موضع تساؤل مع المبدع/ عبدالله ساعد؟!
* * *
(3) وإذا وقفنا عند النصوص القصصية القصيرة الأربع وجدناها تتوزع بين النص القروي والنص المدني من خلال (6 قصص) تحكي أحداثاً وموضوعات تمس المدنية، والمكان المدني/ الحضري!!
أما النص القروي فإنه يستأثر بـ/ (8 قصص) تستبطن هذه الجمالية السردية التي تميز هذه المجموعة ما يكتبه عبدالله ساعد. فنجد الفأس، أشجار العرعر، العصائب، القَدُّوم، الإبريق، المجرفة، براد الشاهي الصيني الأحمر، الجمر/ الحنَّة/ الرغيف.
الطيس، القدور، أباريق، نحاس.
البونو، السحَّاب، محجاة، العرفج، السكن، معبر,
ومن خلال هذه المفردات والمصطلحات يتفنن عبدالله ساعد في مجموعته القصصية ويلامس الآفاق التراثية القروية وخاصة في (السراة) حيث المكان والقرى والبداوة أفعالاً ماضوية – قبل أن تصلها قطارات التحديث والمدنية – وفي ذلك ما يسميه النقاد استرجاع الماضي، أو استعادة المفقود!!
وهكذا عشنا جمالياً مع المجموعة السردية/ القصصية الأخيرة للمبدع الأديب القاص عبدالله ساعد الذي حملنا معه في رحلة قروية حيث الماضي والجمال والإحساس والتذكار، فإن ذلك صدىً للسنين، ورمزاً للماضي واستجلاباً للماضي السحيق!!
والحمد لله رب العالمين.

– جدة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button