الثقافيةالسلطة الرابعةتحقيقات وتقارير

أنيس منصور: أديب الفلسفة والسفر بين الورق والخيال

الفلسفة كانت البوصلة التي قادته نحو عوالم الأدب والفكر

محمد بربر 

في ذكرى ميلاد أنيس منصور ١٨ أغسطس ١٩٢٤، يتجدد الشوق لأفكاره التي ما زالت تحيا بيننا، إنه الكاتب الذي نجح في أن يحفر اسمه بأحرف من نور في سماء الأدب العربي، تاركًا لنا إرثًا لا يقدر بثمن. 

وأنيس منصور، الأديب الذي جاب العالم بكلماته قبل أن يجوبها بسفرياته. منذ نعومة أظفاره، كانت الفلسفة هي البوصلة التي قادته نحو عوالم الأدب والفكر. لم يكن مجرد كاتب، بل كان رحالة بين السطور، يغزل خيوط الحكمة والخيال في نسيج واحد.

الكتب نافذته على العالم

منصور، الذي رأى النور في قرية نائية، كانت الكتب نافذته الأولى على العالم. قرأ الفلسفة مبكرًا، وتأثر بكتّاب مثل سارتر وكافكا، ليصبح هو الآخر نافذة للأجيال القادمة. بدأ مسيرته مع الصحافة في سن مبكرة، حيث تميز بأسلوبه السلس والعميق الذي يمزج بين البساطة والتعقيد، مما جعل قراءه يشعرون بأنهم يسيرون في رحلة ذهنية مع كل سطر يقرؤونه.

أعمال لا تنسى

أبرز ما يميز أنيس منصور هو تعدد اهتماماته وعمقه الفلسفي. حين نطالع كتابه “حول العالم في 200 يوم” نجد تحفة أدبية، حيث يسرد فيه رحلاته حول العالم، ولكن بروح الفيلسوف المتأمل. وكتابه “أرواح وأشباح” يكشف عن اهتمامه بما وراء الواقع، مستعرضًا قصصًا عن الظواهر الغامضة بأسلوب يمزج بين الخيال والعلم.

أما “قالوا” فهو كتاب فريد في نوعه، جمع فيه منصور حكم وأقوال العظماء، ليقدمها بأسلوبه المميز الذي يجعل القارئ يتوقف عند كل قول، متأملًا في معانيه وأبعاده.

الإرث الأدبي

رغم رحيله عن عالمنا، إلا أن أنيس منصور لا يزال حيًا بيننا، في كتبه وأفكاره التي تجاوزت حدود الزمان والمكان. كان منصور أكثر من مجرد كاتب؛ كان معلمًا للحياة، يعلمنا كيف نرى العالم بأعين جديدة، وكيف نفكر بعمق في كل ما يمر بنا.

كان أنيس منصور عاشقًا للسفر، ليس فقط بالمعنى الجغرافي، بل أيضًا بالسفر في عقول الآخرين وأفكارهم. تجلت هذه الروح الرحّالة في كتابه “في صالون العقاد كانت لنا أيام”، حيث يُقدّم منصور بورتريه دقيقًا للعالم الفكري لأحد أكبر أعلام الأدب العربي، عباس محمود العقاد. لكن الكتاب لم يكن مجرد سرد لحواراته مع العقاد، بل كان رحلة في أروقة الفكر والمجتمع المصري في تلك الفترة.

قلمٌ يصارع الزمن

تحدى أنيس منصور الزمن بأسلوبه الأدبي، حيث كانت كلماته عصية على الانتماء لفترة زمنية محددة. كتاباته كانت انعكاسًا لروح العصر، ولكنها في الوقت نفسه تجاوزت حدود الزمن لتصبح خالدة. في أعمال مثل “الذين هبطوا من السماء”، نرى شغفه بالمجهول وبالتساؤلات الفلسفية التي تتجاوز الحدود التقليدية للمعرفة.

الفلسفة بين البساطة والعمق

من الأشياء التي ميزت أنيس منصور هو قدرته على تبسيط أعقد الأفكار الفلسفية وجعلها متاحة للجميع. كان يدرك جيدًا أن الفلسفة ليست حكرًا على المثقفين، بل هي طريقة للحياة يمكن للجميع أن يتبنّوها. وفي كتبه مثل “في صالون العقاد” و”الوجودية” قدم الفلسفة للقارئ العربي بأسلوب سلس وجذاب، معتمدًا على قوة الحكاية وأسلوب السرد المبسط.

الأديب والإعلامي

إلى جانب إنتاجه الأدبي والفلسفي، كان أنيس منصور أيضًا إعلاميًا بارعًا. عمل في العديد من الصحف والمجلات، حيث أسس وتولى تحرير مجلات بارزة مثل “الكواكب” و”الجيل”. كما كانت له مشاركات تلفزيونية مؤثرة، حيث قدم برامج فكرية وثقافية نالت إعجاب الجماهير.

الوداع الأخير

عندما رحل أنيس منصور عن عالمنا في 21 أكتوبر 2011، ترك وراءه إرثًا أدبيًا وثقافيًا ضخمًا. كان رحيله بمثابة فقدان أحد أعمدة الفكر والأدب العربي الحديث. لكن كتبه وأفكاره لا تزال حاضرة بيننا، تذكّرنا بأن الأدب هو الخلود الذي يتجاوز حدود الزمن والمكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى