حوار: محمد بربر
أصدرت دار المتن في العراق المجموعة الشعرية “قصير فستان صبري”، للشاعرة السورية ميادة مهنا سليمان، لتكون الرابعة بعد “تبا القرنفل الأحمر”، و”عناية فائقة للحب”، و”كيف أقنع العصافير”. في السطور التالية تتحدث الشاعرة مع صحيفة “مكة” عن آخر أعمالها وعلاقتها بالشعر والسرد والأطفال.
صور شعرية متداخلة
س: “قصير فستان صبري” عنوان المجموعة الشعرية الرابعة لكِ. ماذا يمثل هذا العنوان بالنسبة لكِ، وكيف يعكس روح القصائد التي يحتويها؟
ج: أوّلًا: عنوان المجموعة هو عنوان قصيدة لي، بعد حيرة كبيرة في انتقاء عنوان مناسب وقع اختياري عليها لأنّها عبارة تتضمّن صورتَين متداخلتين؛ فمن جهةٍ شبّهتُ الصّبرَ بفستان، ومن جهةٍ ثانيةٍ أردتُ أن أقول بأنّه لا قدرة لي على الاشتياق عند خصام المحبوب، فجعلت فستان الصّبر قصيرًا لا يواري سوأة الحنين.
ثانيًا: العنوان يُظهر مفاتن مشاعري كفستان شفّاف أيضًا، وعلى الرّغم من أنّه ليس الأجمل في خزانة هذه المجموعة، إلّا أنّ اختياري يشبه اختيار صاحب محلّ الألبسة للفستان الّذي يعرضهُ في واجهة محلّه، لأنّه يراه الأكثر لفتًا للنّظر.
س: أصدرتِ من قبل مجموعات شعرية مثل “تبا القرنفل الأحمر” و”عناية فائقة للحب” و”كيف أقنع العصافير”. كيف تطور أسلوبك الشعري من أول مجموعة إلى “قصير فستان صبري”؟
ج: كلّ مجموعة شعريّة لها مكانتها في قلبي، ولها ما يميّزها، فمثلًا: (تبًّا للقرنفل الأحمر) هي أربعون قصيدة حبّ عذريّ فاض به قلبي، فسكبتهُ حنينًا، ولوعةً، واشتياقًا. وتلك القصائد كتبتها على مدى عامين.، و(عناية فائقة للحبّ)، جمعتُ فيه خمسين قصيدةً كتبتها على مدى أعوام متفرّقة، وهي من مراحل حياتيّة مختلفة، وكلّها عن الحبّ. وبالنسبة لـ (كيف أقنع العصافير)، هو ثلاثة أقسام: قسم للرّثاء، رثاء أمّي، وابني رحمهما الله. قسم لقصائد وطنيّة وبعضها لدول عربيّة. والقسم الأخير، هو قصائد غزل.
وبذلك يكون لكلّ مجموعة نهجها، وخصوصيّتها، حين أقارن الثّلاث السّابقات، بهذه الجديدة أرى أنّ قصائدي هذه الّتي كتبتها على مدى ستّ سنوات مضت، هي أكثر نضوجًا، وأشدّ ازدحامًا بالصّور المحلّقة في عالم الخيال، وأكثر تجديدًا، في اللغة، والمضامين.
الانزياحات وفرادة العناوين
س: ذكرتِ أنكِ انتقيتِ أفضل 46 قصيدة لهذه المجموعة. ما المعايير التي اعتمدتِ عليها في اختيار هذه القصائد؟
ج: اخترت القصائد الأكثر زخمًا بالانزياحات الشّعريّة، وبفرادة العناوين، مثل: أشتهي فاكهة صوتك، وأمّا بنعمة حبّك فسأحدّث، مزارع فاشل في بستان الحبّ، حزامٌ ناسف من الحبّ، أنا مزارعة جميلة، مبلّلة بالاشتياق، مدمنٌ على القُبلِ…
س: ماذا أضافت لكِ إضاءة الدكتور محمد عبد الرضا شياع النقدية لهذه المجموعة، وكذلك المقدمة النقدية للأستاذ عبد الله السمطي، وكيف ساهمت في تعزيز الرؤية الشعرية لديك؟
ج: كل ما كتبه النّاقدان إثراء لمعاني قصائدي، وتتويج لجماليّة مفرداتي الشّعريّة، وتحدٍّ لأن أقدّم الأفضل والأجمل، كي أطوّر من تجربتي الشّعريّة وأّلّا أكرّر ذاتي.
أجناس أدبية متنوعة وتجارب ممتدة
س: سبق لكِ أن أصدرتِ أعمالًا في مجالات أخرى كالقصة القصيرة والمسرحيات وأدب الأطفال، كيف تنعكس تجربتك المتنوعة هذه على كتابتك الشعرية؟
ج: تنعكس بأن تجعلني أشتاق للشّعر بين الفينة والأخرى، وسأعترف -من باب نقد الذّات- أنّني في فترةّ زمنيّةٍ ما، شعرتُ أنّ قصائدي تشابهت، وكيلا أكرّر معانيَّ، وصوري، ومضامين قصائدي، عزفتُ عن كتابة الشّعر جزئيًّا، عدا عن ذلك كتابة هذه الأجناس الأدبيّة المختلفة في الآونة الأخيرة أسعدتني كثيرًا، رغم أنّها أبعدتني عن الشّعر، فأوّلًا: كنت مستمتعة بالسّرد الرّوائيّ والقصصيّ.
وثانيًا: لا أنكر أنّ لهفة القرّاء لمضامين قصصي، وحبّهم لسلاسة سردي جعلاني أغترّ(بشكل إيجابيّ)، فأسعى لكتابة المزيد من القصص، والمتابعة في درب الرّواية الّذي لم أجعل أحدًا بعدُ يرى أثر خطواتي الّتي خطوتها في هذا الدّرب الوعر الجميل، ولي غايتي في ذلك، ويومًا ما ستكون خُطاي الرّوائيّة واضحة المعالم للجميع.
س: مر حوالي خمس سنوات منذ إصداركِ لمجموعتك الشعرية الأخيرة. كيف كانت هذه الفترة بالنسبة لكِ كشاعرة، وما أبرز التحديات التي واجهتِها خلال هذه المدة؟
ج: كنت أشعر بالضّيق أحيانًا، وبشعور متناقض؛ رغبة في جديد شعريّ، وفي الوقت نفسه لا مزاج إلّا للانشغال بالرّواية واستكشاف عوالمها، فأقنعتُ نفسي أنّ الشّعرَ تميّزتُ به، فلا يمكن لقارئ قصيدة لي أن يجد شبهًا لها في قصائد شاعر آخر. ولذلك كان عليّ مواصلة السّعي للتّميّز في أجناس أدبيّة أخرى.
الومضات وروح القصيدة
س: الشعر الحديث يتطلب دائمًا جرأة في التجديد والتجريب. هل يمكنكِ مشاركة جمهوركِ بتجاربكِ الشعرية التي تجرأتِ على تقديمها في “قصير فستان صبري”؟
ج: هناك العديد من القصائد مثل (مبلّلة بالاشتياق) الفائزة بالمركز الثّالث بجائزة ديوان العرب. وهناك (أنا مزارعة جميلة) الفائزة بالكتاب الذّهبيّ الصّادر عن مجلّة روز اليوسف.
عدا عن ذلك قدّمتُ تجربة شعريّة مختلفة عن الآخرين ليس من حيث المضامين والصّور، بل من حيث الشّكل أيضًا، ففي القسم الثّاني المتضمّن تسع قصائد، قدّمت تجربة شعريّة استوحيتها من سوناتات بابلو نيرودا، مع تجديد لأضع بصمتي، فكانت القصائد عبارة عن مجموع ومضات يجمعها مضمون واحد كهذه القصيدة (فُرَاقٌ واشْتِيَاقٌ)
س: أعمالك تتنوع بين الشعر، القصة القصيرة، والنقد. كيف تتداخل هذه الأنواع الأدبية في إبداعك، وهل تجدين أحدها يؤثر بشكل أكبر على الآخر؟
ج: لا جنس أدبيًّا يؤثّر على الآخر، أحتفي بالقصيدة، وبالقصّة، وبالرّواية، وبالمقالة، وبالنّقد، وبأدب الطّفل، وبالحكمة، وبالمسرح، وبالسّيناريو، ولكن لا أنكر أنّ هناك حفاوة زائدة لبعض الأجناس، وأشعر أنّ الله حباني، ليس بنعمة الموهبة فقط، بل بتنوّع مصادر هذا الموهبة، فأكرمني ببستانِ ذاكرةٍ متعدّد الزّهور، فوّاح بأريج الإبداع، زاهٍ بألوان الإلهام.
س: ما المشاريع المستقبلية التي تعملين عليها حاليًا، وهل هناك أعمال جديدة تنوين طرحها قريبًا؟
ج: مشاريع كثيرة: مجموعة قصصيّة ساخرة أكتبها منذ العام الماضي على فترات متباعدة، مؤخّرًا كتبت قصّة ساخرة عنوانها: (ناهقة في دبي)، وناهقة هي زوجة الحمار ناهق بطل قصّتي الفائزة بالمركز الأوّل في مسابقة القصّة السّاخرة الّتي أقامها اتّحاد الكتّاب العرب في سورية. لديّ أيضًا مشروع رواية جديدة(رابعة) لم أبدأ بها بعد. ومشروع كتاب حكمة جديد، أكتبه أيضًا على فترات متباعدة، ولا سيّما بعد نجاح تجربتي في أدب الحكمة من خلال كتابي (قالت لي الفراشات)، حيث نفدت الطّبعة الأولى وأرسل لي مدير دار المتن مؤخّرًا، آخر خمس عشرة نسخة متبقية من الكتاب. هذه المشاريع الّتي أعلن عنها، لكن دومًا عندي ما لا أعلن عنه، وأتركه سرًّا بيني وبين الإبداع، وستفشيه الأيّام لاحقًا.
ليس مجرد غلاف
س: كيف رأيتِ استقبال القراء والإعلاميين خبر صدور المجموعة؟
ج: والله لا أستطيع أن أعبّر عن فرحتي بكلام متواضع، حفاوة كبيرة بالدّيوان الجديد، ولا سيّما أنّني أطلتُ فترة الطّباعة بعد آخر مجموعة عام ٢٠١٩. بعض الأصدقاء في العراق سارعوا إلى اقتناء نسخة وأخبروني أنّهم سعداء بقراءتها.
والأمر اللطيف أنّ فرحة الأصدقاء كُتّابًا، وإعلاميّين، ونقّادًا، كانت ممتزجة مع دهشة جميلة سببها العنوان، وغلاف الكتاب الّذي حرصت كثيرًا على تميّزه، فلجأتُ لابن بلدي المبدع الرّائع هيثم ديواني مصمّم غلاف (تبًّا للقرنفل الأحمر)، طلبت أن يكون الغلاف باللون الفوشيا مع القليل من السّماويّ، وغيّرتُ صورة الفتاة الّتي وضعها أوّل مرّة، إلى الصّورة الّتي ظهرت على الغلاف، وقد أبدعَ أيّما إبداع حتّى أنّه رمزَ لاسمي على صورة الفتاة، فأظهرَ حرفَي ميمٍ وسينٍ بخطٍ ناعمٍ.
ووجهة نظري في الاهتمام بالغلاف أنّي أريد إصدار مجموعة شعريّة بحسٍّ أنثويٍّ عالٍ، فكان ذلك من حيث العنوان أيضًا، ومسمّيات أقسام الكتاب:
الفستان الأوّل، والثّاني، والثّالث، وبدْء كلّ قسم بقصيدة عنوانها فيه كلمة (فستان)، أمّا أنوثة قصائدي، فقد لفتت الفكر النّقديّ لله الحمد، فهناك قراءات صدرت، وبعضها ستصدر لاحقًا، حيث طلب بعض الأصدقاء الملفّ للكتابة عن الدّيوان.
وأمّا القارئ الّذي خبِر معظمها حين نشرتها في صفحاتي الأدبيّة، فهو أكبر حافز لي على مواصلة الإبداع الشّعريّ، والتّجديد فيه، ومن خلال حواركَ هذا أشكرك على بادرتك النّبيلة، وأشكر كلّ من بارك لي، وكتب وسيكتب عن الكتاب، وكلّ من نشر خبر صدور المجموعة، أو نشر تهنئة لي، وكلّ من طلبَ حوارًا احتفاءً بمنجزي الأدبيّ الجديد.