بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) ارتفعت المشاعر المعادية للأجانب بين بعض شرائح المجتمع البريطاني، وهذه التحديات التي تواجه بريطانيا مع وجود تقدم ملموس في مجال مكافحة العنصرية وتعزيز المساواة. ومع ذلك فإن منبع كراهية العنصريين للأجانب في بلادهم يأتي من الخوف من التغيير في الهوية الثقافية، المنافسة الاقتصادية، الجهل وعدم المعرفة بأهمية الثقافات الأخرى، الأزمات الاقتصادية والسياسية، الإعلام والدعاية السلبية لدورها الكبير في تشكيل الرأي العام ضد الأجانب، الإرث الاستعماري والتميُّز التاريخي، والانتماء الوطني المتطرف.
ويتصف مثيرو الشغب في بريطانيا بالتعصب العرقي والقومي، التأثر بالدعاية المتطرفة، الخلفية الاجتماعية والاقتصادية المتخلفة لهم، ويعاني معظمهم من الفقر والبطالة والتهميش، المستوى التعليمي المنخفض، العداء للمؤسسات الحكومية، التأثر بالجماعات المماثلة من الجماعات العنصرية، عدم القدرة على التكيُّف مع المتغيرات الاجتماعية، العدوانية والعنف، وضعف التفكير النقدي من خلاله تشكلت الشخصيات العنصرية.
كما أن تلك العنصرية المنتشرة ضد الأجانب – وخاصة ضد المسلمين منهم – ستؤثر على مستقبل بريطانيا كتفاقم الانقسامات الاجتماعية، وتدهور السلم الاجتماعي، والتأثير السلبي على الاقتصاد، إضعاف الهوية الوطنية، وتراجع الثقة في المؤسسات، انتشار التطرف، وتدهور العلاقات الدولية، وتأثيرات سلبية على الأجيال القادمة، ضعف التماسك الاجتماعي، والتحديثات القانونية والسياسية من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.
ولذلك إذا استمر الأمر كذلك فلن يقتصر أثر ذلك على الأجانب فقط، بل ستعم الجميع أفقيًا على المستوى الشعبي، ورأسيًا على المستوى الرسمي وما ينتج عنه من أثر على المجتمع البريطاني، ويتطلب الأمر جهودًا متعددة الجوانب تجمع بين التشريعات والسياسات الحكومية، التوعية المجتمعية، التدخلات على مستوى المؤسسات والأفراد، وضرورة إنشاء هيئات رقابية، تحسين سياسات الهجرة والاندماج لتعزيز حقوق المهاجرين بفرص متساوية، وبالتعليم والتوعية ضد العنصرية، تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات، الاستماع إلى قصص وتجارب المهاجرين وتوفير المنصات لهم، مكافحة العنصرية المؤسساتية، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لضحايا العنصرية، التحالف مع المنظمات الحقوقية، تشجيع حوار السياسي مع المجتمع المدني، استخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام لمكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت، ووقف أساليب التخلص من الأجانب من خلال إيقاف تقييد سياسات الهجرة، وتيسير متطلبات التأشيرات، والتخفيف من ضوابط الهجرة، وعدم تقليص برامج اللجوء وتقييد الاعتراف بهم، وإلغاء إجراءات العودة القسرية، وتخفيف القيود المفروضة على الأجانب في سوق العمل، والحد من زيادة الضرائب والرسوم عليهم، وعدم حصر المراقبة عليهم فقط، ومراعاة العادات والتقاليد في حملات التفتيش في المجتمعات والمناطق ذات الكثافة العالية من الأجانب، وتحسين السياسات الاجتماعية، ومحاربة الترويج للأيديولوجيات المناهضة للأجانب وتيسير الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية، استغلال التعاون الدولي لخدمة قضايا الهجرة؛ وخاصة أن وجود الأجانب في بريطانيا له أهمية كبيرة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فمن المساهمات الاقتصادية للمهاجرين المسلمين تعزيز القوة العاملة وسد الفجوات في سوق العمل، ونقص العمالة المختلفة، وتحفيز الابتكار لما للمهاجرين من مهارات وخبرات جديدة تخدم المجتمع البريطاني، وقيام المهاجرين بدعم النمو الاقتصادي لتأسيس الشركات والأعمال التجارية وتقديم فرص عمل للشعب البريطاني، وتوفر التنوع الثقافي، بإثراء الحياة الثقافية بالفنون والموسيقى والطعام والاحتفالات لتعزيز التفاهم والتسامح، ودعم القطاع الصحي بالأطباء والممرضين، والعاملين في الرعاية الصحية، وإيجاد التنوع الأكاديمي بدعم المؤسسات التعليمية بالكوادر، والبحث العلمي والخبرات الدولية، وتحقيق التنمية المستدامة، والاستقرار الاجتماعي، كما ساهم المهاجرون المسلمون أيضًا بالعمالة المحترفة، وزيادة الأعمال وساهموا بإثراء المشهد الثقافي بفعاليتهم، وشاركوا في الخدمات الاجتماعية بالمؤسسات الخيرية، ودعموا الاقتصاد البريطاني بالشركات الصغيرة والمتوسطة، وخدموا مجال الطب والتعليم من أطباء ومهندسين ومعلمين، للرعاية الصحية والتعليم، وشاركوا في الحياة السياسية وخدمة المجتمع المدني، وفهم العلماء في العلوم والتكنولوجيا، وساهموا بتشكيل مجتمع متنوع ومتعدد الثقافات في بريطانيا.
• عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى