قد يجد الإنسان نفسه في حرج مهما اعتقد أن يمتلك من حسن القول وجميل السبك ما يعينه على ذلك، سيما إذا كان حديثه عمن كان أول لقاء به، وهو لازال يحبو في مراحل التعليم العام سنة أولى ابتدائي، ليكون ضمن الإدارة المدرسية في المدرسة الفيصلية في بيشة، وفي مقرها الطيني في منتصف الثمانينيات الهجرية والتي استهللت فيها مراحل التعليم، مع ذلك الوجه البشوش الذي كان يستقبلنا صباح كل يوم دراسي ببوابة المدرسة، ويودعنا في الظهيرة يحمل بدل الخيزرانة المعهودة آنذاك قلبًا ينبض حنانًا ويرسم ابتسامات، ذلك هو المربي الفاضل والمسؤول المتفاني الحالم والجار الوفي والوالد الراعي الشيخ/ محمد سليمان الرواف؛ حيث وصلني الأسبوع الفارط إهداء ثري وجميل من تأليفه -حفظه الله- تحت عنوان: “قطوف من الذاكرة حول مسيرة الرياضة والشباب بمحافظة بيشة”، والحقيقة لما تختزنه الذاكرة عن سيرة ومسيرة “أبو سليمان” -حفظه الله- تسمّرت أمام محتوى المؤلف حتى أنهيته بتوفيق الله من الغلاف إلى الغلاف؛ حيث كان جميلًا في السرد وثريًا في المحتوى وغنيًا بالمعلومات، ولا يستغرب ذلك من مسؤول كانت جميع مشاريع بيشة تمر من تحت ناظريه مدعومة بأفكاره النيّرة، متوجة بدعمه -وفقه الله- حيث كان الواجهة الأولى لبيشة والوجهة لكل لجنة تزورها، ويستطيع في كل مجالات التنمية والبنى التحتية أن يجسد ذلك في كتب مماثلة نحن والساحة بحاجة لسبر أغوارها، لذا أجدني مجبرًا كما أشرت بالمقدمة محرجًا؛ فلا الكلمات الجميلة والجمل المتتابعة تسعفني للتحليق في رحاب سيرة ومسيرة الوالد أبو سليمان -حفظه الله-. حيث 60 عامًا منذ أكرمني الله برعايته وتوجيهه قاصرة كما ذكرت مرارًا لنثني عليه ونرد له شيئًا من الجميل على جهوده؛ فله بصمات مشكورة بقضائه سنين في التعليم في بيشة ثم مديرًا لمطار بيشة لمدة 4 عقود، وكذلك في جدة حتى لقب بـ”عميد مديري المطارات السعودية”، شهد المطار فيها عدة مراحل تطويرية منها: اثنتان أثناء الصالات القديمة ثم بعد نقلها لمقرها الحالي، كذلك كان هنالك محطات ذهاب وإياب شملت “أبها الطائف الباحة” سفر وعودة المدرسين المتعاقدين، كما شهد المطار عدة مناورات تدريبية للقوات المسلحة، فترة تميز خلالها بفضل الله بالإتقان والإخلاص ونبل التعامل “عراب واجهة بيشة”، كان شمسها المشرقة في النهار وقمرها المضيء في الليل، مشاركًا في تعليمنا ونحن تلاميذ ثم موجهًا ونحن طلاب نستشرف معه وجهتنا، ويعيد كما ذكرت سلفًا مع ذلك الوجه البشوش الذي كان يستقبلنا في الصباح في بوابة المدرسة، ويودعنا في الظهيرة يحمل بيديه الخيزرانة المعهودة آنذاك فهو قلب ينبض حنانًا، ويرسم ابتسامات وأضيف هنا مع مرور السنين يقدم جودًا وإكرامًا وخدمات حتى لتلاميذه قبل عقود، أيضًا كما كان له مساعٍ معنا كتلاميذ، غمرتنا كشباب رعايته حيث تولى رئاسة نادي النخيل في بيشة، والذي كان أحد مؤسسيه من 1394هـ إلى 1399هـ حينما كان ثقافيًا واجتماعيًا ورياضيًا، وقد أسس في عهده أول متحف تراثي بالمنطقة الجنوبية، افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير عسير آنذاك؛ حيث غادرنا بيشة ولكنه كان على ذاك العهد أول من يستقبلنا وآخر من يودعنا، وأكثر من يسأل وحينما جاء إلى جدة كان أول من يشاركنا أفراحنا، ويتقدم في عز المواقف مبادرًا ومعاونًا أو مساعدًا أو مواسيًا كما عهدناه في بيشة بالمشورة والرؤى الثاقبة في معظم المشاريع، وقد سخر جهوده لكل ما يخدم ويصب في صالحها؛ إذ هو أول مستقبلي زوارها ترحابًا بابتسامته المعهودة وسفره الممدودة وآماله المنشودة ومودعهم لجان وأفراد حمدًا وسلامة وحسن حفاوة. بالأمس تسلطت على بعض صفحات مسودة ينوي أن تكون نواة لمؤلف آخر تحت عنوان: “جولة في ربوع شمال المملكة” سأسرد بكل أدب وإن كان بدون استئذان، ومن باب اقتباس تلميذ من وهج عطاء معلمه. رؤوس أقلام حيث يتمحور المؤلف حول رحلة مع مجموعة من أصدقائه من بينهم رفيق الصبا وزميل الدراسة سعادة الدكتور/ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ -حفظه الله-… ومحتوى فصول الرحلة من قبل عقد ونصف من الزمن تقريبًا، والتي انطلقت من جدة مرورًا بـ”رابغ” التي وصف واقعها الجميل واستشرافه الأجمل نحو مستقبلها؛ وكأنه كان يتعشم ما حدث لاحقًا من منجزات المدينة الاقتصادية وجامعة الملك عبدالله والقطار، ثم عرج على ينبع وتجول في حاراتها القديمة وسوق السمك والمدينة الصناعية؛ حيث جمعت بين القديم الجميل والجديد النافع، مستذكر تاريخها العريق ثم المدينة المنورة وما شعر به من طمأنينة وروحانية زادت الرحلة بهجة وسرورًا؛ ليطوف بمعالمها التاريخية ويسعد بالصلاة في مسجد قبا ثم زيارة المسجد النبوي والصلاة بالروضة الطاهرة على ساكنها وأصحابه أفضل الصلاة والتسليم، ثم واصل الركب متجهًا إلى العلا، والتي أجزل في وصف طبيعتها وقلاعها وما كان حولها؛ وكأني به كان يتوقع هذا المستقبل الذي تعيشه اليوم من مدينة نيوم وشقيقاتها مما استقطب سائحي العالم، ثم اتجه إلى تبوك وتعرف على واقعها الذي أعجبه بل أطربه وتجول بين مزارعها العالمية وملأ ناظريه بجمال ورودها الزكية التي أصبحت تصدر للخارج ليصفها بما تستحق، والتي غادرها إلى الجوف حيث التاريخ ومزارع الزيتون والطبيعة الخلابة والقلاع والعيون، ثم إلى منطقة الحدود الشمالية عرعر ذات النمو الباهر، وما تميزت حينها به من جسور وطرق ومشاريع، فإلى رفحاء ذات التاريخ المرتبط بخط التابلاين والآثار، ومنها: عين زبيدة مورد الحجاج ثم عرج على حفر الباطن، والتي ذكر عنها الكثير من الجوانب المشرقة، وقد شملت الرحلة بريدة مرورًا وإعجابًا والزلفي وأخيرًا عفيف إلى أن عادوا إلى الطائف، وقد استغرقت الرحلة 16 يومًا تطرق فيها أبو سليمان لذكر أكثر من 300 مركز أو هجرة أو موقع أثري واصفًا كل ما رأى بما يوفيه من معلومات أو شعر بها من إعجاب، وكأني به يحاكي العلامة: حمد الجاسر -رحمه الله-. وقد أثنى على الأهالي لمواقفهم النبيلة وكرمهم المعهود ومرافقتهم من دخول مناطقهم حتى مغادرتهم من مسئولين وأهالي أذكر منهم إشارة لا حصرًا آنذاك سعادة وكيل إمارة تبوك الأستاذ/ عامر محمد الغرير، وسعادة وكيل إمارة الجوف الأستاذ/ أحمد عبدالله آل الشيخ. أتمنى أن نرى ذلك قريبًا مفصلًا في مؤلف، رغم أن تفكير أبو سليمان منصب على الاستفادة من تدوين مثل ذلك توثيقًا، ومن باب ذكر الجميل لأهله والذين تضيق المقالة مساحة لذكرهم وشكرهم، وقد علمت أن هنالك مسودات لمؤلفات حول المطارات والطيران في العالم، وأنها تقريبًا تحت اللمسات الأخيرة…
خاتمة .. أستعير هنا بعض الأبيات لقائليها لعلها تغطي ما حدث من قصور:
من يلقى يومًا على علاته هرمًا يلقى السماحة منه والندى خلقا
ح. حليف الندى يدعو الندى فيجيبه قريبًا ويدعوه الندى فيجيب
م. ما كان من خير أتوه فإنما . توارثه آباء آبائهم قبل
د. دعوناك فكنت رؤوفًا بنا. حكيمًا يداوي جرح كل مصاب
متعه الله بالصحة ودوام التوفيق والسداد.
0