المقالات

“سهيل” محبوب العرب

العربي ابن الصحراء افترش رمالها، وتغطى بسمائها ولا غير ذلك في بدء الحياة.
إلى درجة أن أعرابي سُئل هل تعرف النجوم ؟ فأجاب متعجبًا (ومن لا يعرف سقف بيته).
لذالك ربط العربي علم الفلك بحياته مضطرًا لا مختارًا، ربط مطالع النجوم بظواهر تحدث له وعوامل معه أو ضده مرتبطة بشروق هذا النجم أو الكوكب أو ذاك أو غروبه ومداه.
العربي هو رفيق علم الفلك وصانعه، ومحور حديثنا هنا هو نجم “سهل” الذي ارتبط به العربي كثيرًا، واستبشر به أمانًا وعند رؤيته تتجلّى الجباه فرحًا لقد ذهب القيظ وسمومه ولواهب حره؛ ليذهب معها عرق أضنا الإنسان وأتعبه.
ونجم “سهيل” في مصطلح اللغة العربية الوزن، لامع، النبيل، من السهل أو السهولة. و”سهيل” تصغير لكلمة سهل، ويطلق على عدة نجوم ذات سطوع متميز.
وقد سمّي رسميًا عام ٢٠١٦ كانوبوس Canopus هكذا أدرج في فهرس الاتحاد الفلكي الدولي لأسماء النجوم، ونجم “سهيل” أعطي عدة أسماء رقمية على حسب العديد من الحضارات والباحثين.
فهو كاربانا عند قدماء المصريين، وعند الهندوس قديمًا (أغاستي) و Soheilعند الإنجليز وفي التركية Suheyla ذات أصل عربي.
و”سهيل” الاسم العربي لنجم ألفا الجؤجؤ وهو الألمع بين نجوم الجؤجؤ، وثاني ألمع نجم في السماء ليلًا ومن بعده ثالثًا السماك الرامح، وهو نجم عملاق ساطع أبيض مصفر يميل للحمرة أي “سهيل” بينما جنوبه الشعر لونه أبيض مزرق الشعاع.
نجم “سهيل” يبعد عن الأرض مسافة مهولة ١٢٠٠ سنة ضوئية أي اضرب هذا الرقم في سرعة الضوء لتطلع المسافة بالكيلومتر وسرعة الدوران 8.0000000 كم/ ث بلا شك سرعة مهولة بالنسبة لحجمه، ولكنها عظمة الخالق لهذا الكون وعظيم قدرته.
ودرجة حرارة “سهيل” الفاعلة 6.998 كالفن يحفزها سرعة دورانه، وقدر قطره ما يقارب ٧١ ضعفًا لقطر الشمس.
“سهيل” من نجوم نصف الكرة الأرضية الجنوبي وهناك يسهل رؤيته وفي شمالها يظهر جنوبًا أواخر فصل الصيف ويصعب رؤيته بل تنعدم بعد درجة ٢٧ شمالًا.
“سهيل” صنف من النجوم ذات العمر القصير حيث قدر عمره تقريبًا ٢٧ مليون سنة أي نجم “سهيل” موجود منذ ٢٧ مليون سنة والله العالم بعمر هذا الكون، ولكن هنا عبرة وتأمل.
“سهيل” استرشد به الأمريكان في عملية سفنهم الفضائية وأماكن تواجدها بالنسبة لـ”سهيل”.
“سهيل” والعرب وتحديدًا الجزيرة العربية حدث ولا حرج؛ فقد استفاد الحاضرة والبادية كثيرًا جدًا من “سهيل” وأحبوه وتغنوا به كثيرًا.
تابعوه واهتموا به إلى درجة الاحتفاء.
“سهيل” يظهر في الجزيرة العربية تقريبًا ٢٤ أغسطس وقد تتأخر رؤيته إلى ١ سبتمبر في شمالها لسعة رقعة الأرض، وبظهور “سهيل” يبدأ دخول نجم “سهيل” ويحكم الحسّابة حسابهم الفلكي وكذالك إيذانًا بانتهاء رياح السموم والحر الشديد المعرق للإنسان، وبداية البراد حتى لو آخر الليل.
ومع بداية بوادر البراد يعد أهل الزراعة لزراعتهم وأهل الرعي لرعيهم وأهل التجارة لسفرهم سابقًا والبحارة لصيدهم.
وفي المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية وبعد أربعة أيام من ظهور “سهيل” أي يوم ٢٩ من شهر أغسطس الأمر، يختلف قليلًا ولكنه في نفس السياق حيث حساباتهم الفلكية الزراعية الشمسية الاعتماد، نجد دخول نجم يسمى “العطف” وهو ليس نجمًا في السماء بل مجموعة أيام (١٢ يومًا) لمنزلة معينة من حركة الشمس مصدر طاقة الكون.
وهنا ومن خلال التسمية نجد أن المنحنى الصاعد لدرجة الحرارة والرطوبة وعناصر مناخية كثيرة بدل الصعود يبدأ هذا المنحنى ينحني للنزول أي العملية حسابية بحتة، وفي ظل ذلك يحدد نوع الزراعة ومدى وقتها الزمني، ويتم التحول التدريجي إلى زراعة الأبصال بصل، ثوم، بطاطس، جزر، ويتجنبون زراعة النباتات التي لا تتحمل ظروف الأيام القادمة، وتكاثر حيواناتهم من عدمه خلال فصل الشتاء الذي نجم العطف أوله حسب حسبتهم الخاصة؛ فهم أدخلوا علم الفلك بشكل أساسي ضمن العلم الزراعي بقسميه.
ويظهر اهتمام العرب بربط العلوم ببعضها منذ القدم، وكذالك استقلاليتهم في ثقافتهم ومفاهيمهم خاصة أن العالم ليس مثل اليوم أصبح قرية واحدة.
إلا أن ثقافة العربي تبقى أصيلة متجذرة في غياهب العصور، وإلى يومنا هذا في ظل الخالق ثم حكومة هذا الوطن المتميز دائمًا.

———————
بعض المراجع:
إدوار غالب. الموسوعة في علوم الطبيعة.
أمين المعلوف. المعجم الفلكي.
محمد بن عبد الرحمن. سلم العروج إلى علم المنازل والبروج.
يحي وزير. العمارة والفلك. وغيره.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى