نساء خالدات
الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة وزير منذ ما يقارب الست سنوات. وهي أول امرأة تشغل منصب سفير في تاريخ المملكة العربيّة السعوديّة، وأول سفيرة للولايات المتحدة الأمريكية. ترأست الإدارة النسائيّة للهيئة العامّة للرياضة السعوديّة في أغسطس (2016) ،ثمّ اُنتخبت عضوًا في اللجنة الأولمبيّة الدوليّة في 17 يوليو (2020) . هذه الأميرة السعودية المظهر والمخبر، القلب والقالب، المنطق والفكر ولدت في الرياض عام )1975) لوالدها الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وأمّها الأميرة هيفاء الفيصل بن عبد العزيز آل سعود. ثمّ انتقلت لتعيش طفولتها وفترة من شبابها في الولايات المتحدة الأمريكيّة؛ إذ كان والدها سفيرًا للمملكة هناك مدة (22) عام، وكان له باع طويل سياسيًا، أمّا خالها فهو المفوّه المخضرم كبير الدبلوماسيين العرب والخليجين المغفور له بإذن الله صاحب السموّ الملكيّ الأمير سعود الفيصل. فلا غرو من حسن منطقها وطلاقة حديثها باللغتين العربيّة والانجليزيّة. إذ ينطلق حديثها الهادئ المتوازن بلغة قويّة يزينها منطق قويّ سواء في بيان وجهة نظرها الشخصيّة أو كانت متحدثة باسم بلدها المملكة العربيّة السعوديّة، فيأسر حديثها وعمق تفكيرها عقل وقلب من يستمع إليها، ليرى صورة حقيقية لامرأة مسؤولة ذات علم ووعي كبيرين، لامرأة سعوديّة هي امتداد لجيل سابق من نساء خالدات كتبن تاريخًا حافلًا بمداد من نور فنقل مآثرهنّ جيلًا بعد جيل.
سمو الأميرة الحاصلة على شهادة البكالوريوس في دراسة المتاحف مع التركيز الأكاديميّ على المحافظة على الآثار التاريخيّة من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية لاشك أنّها قارئة مميّزة للتاريخ ومتعمّقة فيه. وهذا البعد العلميّ مكّنها من الحديث بوعي وتقدير عن كلّ الثقافات مع اعتزاز وطني من دون إخلال، إضافة لإلمامها وإدراكها لكلّ ما حولها من متغيّرات ومعطيات.
لقد شغلت سموها في سنّ مبكرة -قبل دخولها من أوسع أبواب السياسة كسفيرة لبلدها –عددًا من المهام في قطاع المال والأعمال؛ فشغلت وظيفة كبير الإداريين التنفيذيين في شركة ألفا العالمية المحدودة، وهي واحدة من كبرى الشركات الوطنيّة المتخصّصة في قطاع التجزئة في مجال الأزياء لـعدة سنوات، ولا شك أنّ ذلك منحها خبرة في التعامل مع أصناف البشر المختلفة. وهي في كلّ الأعمال التي مارست إدارتها شهدت نجاحاً كبيرًا، إذ كانت حريصة على تطبيق أعلى معايير الأداء العالميّة في الممارسات المهنيّة. وهذا كلّه لا شكّ أنّه لم يكسبها فقط مهارات التواصل الفعّال وفنّ الإقناع و التفاوض و مهارات الحوار، بل أكسبها أيضًا ثقة من حولها حتى وصلت تلك الأصداء إلى مسامع العالم، فاعتلت منصة لم يسبقها إليها أحد من نساء وطنها؛ فتولّت حقيبة الرياضة السعوديّة، حيث ترأّست الإدارة النسائيّة للهيئة العامة في أغسطس (2016)، ثمّ اُنتخبت عضوًا في اللجنة الأولمبيّة الدوليّة الرياضيّة في 17 يوليو (2020).
لقد آمنت سموّها بنساء وطنها حيث دعمت المرأة السعوديّة، فقد كانت سبّاقة أثناء إدارتها الشركات التي تولّت مهامها في إتاحة المجال أمام السيدات السعوديّات للتدريب المهنيّ المتكامل والمنتهي بالعمل بمتاجرها في مدينة الرياض. وكنتيجة لهذه الجهود تمّ اختيار الأميرة ريما في شهر سبتمبر (2014) ضمن قائمة مجلة «فوربس الشرق الأوسط» لأقوى (200) امرأة عربيّة.
أمّا عن موقف الأميرة ريما مؤخّرا كمتحدّثة في الدورة (142) للجنة الأولمبيّة الدوليّة في باريس بصفتها عضوًا في اللجنة الأولمبيّة الدوليّة، ومسؤولة في لجنة المساواة بين الجنسين والتنوع والشمول حول التنمّر والإساءة المتعمدة التي طالت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف فهو مشرّف حقًّا. حيث قالت سموّها إنّها تتحدّث كـ “امرأة مسلمة وعربيّة” وإنّ انتقادات وسائل الإعلام للملاكمة الجزائريّة الحائزة على الميدالية الذهبيّة الأولمبيّة، يجب أن تتوقف، وأن “اللطف والكرامة الإنسانيّة يجب أن تسود في كلّ مرّة”. لقد كان حديثًا مهمًّا، ودرسًا في الأخلاق قدّمته الأميرة ريما بنت بندر على مرأى ومسمع العالم.
لقد أثبتت سموّها في هذا الموقف وغيره من المواقف أنّها حقًّا سفيرة المرأة السعوديّة، وسفيرة كلّ النساء المجتهدات، حيث دافعت بعد فوز الجزائريّة بالميداليّة الذهبيّة وسط سباق مضطرب للإساءة للبطلة عبر الإنترنت من جميع أنحاء العالم بسبب المفاهيم الخاطئة حول أنوثتها. فقالت: “من وجهة نظري، الحقائق واضحة، خليف امرأة”. “ولدت فتاة وعاشت حياتها كلّها كأنثى. ومع ذلك، على الرغم من هذا البيان المشترك، كان هناك تقارير مضلّلة مستمرة بناءً على معلومات مضلّلة تسبّبت في ألم لا يمكن قياسه، وهذا ليس غير مقبول فحسب، بل إنّه مفجع تمامًا”، وأضافت سموها “إنّ خليف، من جذور متواضعة في الريف الجزائريّ، عملت بجدّ مثل أيّ رياضي أولمبيّ آخر، “بتصميم وشجاعة ومثابرة”، من أجل الحقّ في المنافسة أمام العالم. وطالبت بالتوقّف فورًا عن التنمّر المتكرّر الذي تعرّضت له الرياضيات على مرّ التاريخ؛ فرغم التقدّم الحاصل في عدد المشاركات وجدّيتهنّ إلّا أنهنّ لا زلن عرضة للتّهكم المستمر والتعليقات السلبية.
وتابعت سموها بثقة وقوة شخصية: “على هذا النحو، لا يمكنني أن أخدم بضمير مرتاح في هذه اللجنة وأظلّ صامتة بشأن التعليقات الإعلاميّة على إيمان خليف. “أودّ أن أقول اليوم إنّني أؤيد بكلّ إخلاص (رئيس اللجنة الأولمبيّة الدوليّة) توماس باخ وكلّ من تواصل مع وحدة الملاكمة في باريس (2024) واللجنة الأولمبيّة الدوليّة في الأول من أغسطس.”
خلاصة القول لقد أثبتت سمو الأميرة ريما بنت بندر في كلّ مناسبة تمثّل فيها وطنها، أو تتحدّث عن قضاياه أنّ المرأة السعوديّة تنتظر فقط فرصة الانطلاق، كما أثبتت أنّ المرأة السعوديّة تظهر متحلية بمنطق علميّ وتوازن في الطرح، وأخلاق دمثة، وتواضع كبير. وفي هذا أعظم ردّ على الخصوم الذين طالما نالوا من السعوديّة وتعاملها مع المرأة…
لقد أثبتت سموها أنّ أخلاق الرياضة كما أخلاق السياسة لا تتجزّأ ولا تتحوّل ولا تتغيّر فمعاييرها ثابتة راسخة. كما أكدت سموّ الأميرة ريما بنت بندر منذ ظهورها كشخصية عامّة قبل 7 سنوات تقريبًا أنّ المملكة العربيّة السعوديّة جديرة بقيادة العالم وإبهاره بسعة الأفق وبالنظرة بعيدة المدى نحو مستقبل أفضل ليس لبناته فقط بل للمرأة في العالم أجمع.
– جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل