عاش المبدعان البريطانيان “ديكنز وثاكري” في فترة واحدة؛ فهما متعاصران بل كانا صديقين وكلاهما لميتلقَّ تعليمًا جامعيًّا لكن إبداعهما الروائي كان يحرك المجتمع البريطاني كله فيلاحق القُراء إبداعاتهما بلهفة، وينتظرون الجديد منهما بشوق بل امتد إبداعهما إلى أمريكا وإلى كل العالم وما يزال.
تمكَّن “ديكنز” من تحقيق الشهرة مبكرًا في مجال الإبداع الروائي؛ لأنه حدد هدفه منذ البداية.
أما “ثاكري” فكان يملك موهبة أخرى هي الرسم؛ فاشتهر بصوره الكريكاتيرية التي كان ينشرها وتلقى قبولًا وترحيبًا لكنها لم تضعه في مستوى “ديكنز” في الشهرة والمكانة الاجتماعية، وكان يغار من ذلك كما كان يغار من توماس “كارليل” المفكر الذي كان معاصرًا لهما؛ حيث بيته ملتقى لذوي الفكر والشأن.
وبعد تجاربه الفاشلة تفرغ ثاكري للإبداع القصصي، وظل يواصل الجهد ولكنه ظل لا يحقق مبتغاه، وأخيرًا نشر رواية (سُوق الأباطيل) التي تُتَرجم أحيانًا بعنوان: (سُوق الغرور) فأثارت ضجة عظيمة وقوبلت بحفاوة بالغة؛ فاقتنع ثاكري بأنه قد حقق لنفسه الخلود الأدبي وفعلًا تحقق له ذلك.
“ديكنز” عاش يتيمًا وفقيرًا فكان قادرًا على تصوير أحوال الأيتام والفقراء والمعوزين وتجسيد معاناتهم فرواياته تُمثل تاريخًا حيًّا لحياة أكثرية البريطانيين. أما ثاكري فقد كان أبوه ثريًا وقد توفي وثاكري ما يزال طفلًا فورث عنه ثروة لكنه كان دون تجربة فأضاع المال الذي ورثه، ودخل في حالة من الفاقة والمعاناة وأدى تدهور وضعه المادي إلى تدهور الحالة النفسية لزوجته؛ فأصيبت بالجنون وظل يعاني مرارة الحياة. ولأنه مرَّ بحالة الوفرة والثراء فقد تعرف على حياة الأثرياء، وأدرك التظاهر الفج والغرور السخيف فكانت روايته (سوق الأباطيل)؛ ليؤكد أن حياة الطبقة الأرستقراطية: (باطل الأباطيل فكل شيء باطل وقبض الريح)، إنه الغرور والانتفاش والنهايات المأساوية التي تأتي بعد فوات الأوان. عاش ثاكري فيالفترة ما بين: ١٨١١ /١٨٦٣ كانت رواية (سوق الأباطيل) رواية تُصَوِّر انتفاش أبناء ذوي الثراء، وتُبرز غرورهم في مشهد تهكمي ساخر يجسد التفاهة.