هل حوَّلتنا شبكات التواصل الاجتماعي إلى مُدمنين؟! مطلع هذا المقال يفتح لنا الأفق البعيد مع اجتياح هذه التقنية التواصلية والابتكار التفاعلي لكل بقعة من العالم؛ الذي لم يعد قرية صغيرة؛ كما سمعنا من أساتذتنا في أقسام وكليات الاتصال والإعلام؛ بل تحوَّل إلى نقطة صغيرة لا تُرى بالعين المجردة؛ ولا أبالغ في ذلك.. لأن الشارع أصبح يتحدث لغتها، والمنزل يحتضنها بعشق المحب لحبيبه من خلال أفراده.. صغيرًا وكبيرًا ذكرًا وأنثى.
إن سلوكيات التركيبة الاجتماعية وأخلاق المجالس والأدب في الحديث.. انتهت بالفعل؛ لا يكاد يرى الأخ أخاه إلا في المناسبات، ولا يجالس الأب أبناءه إلا فيما ندر من الوقت؛ وربما يخيم الصمت على أجواء هذا اللقاء الأبوي النادر في كنف الأسرة.. بالفعل الحسرة والألم هما حبر قلمي الذي يدون هذه الكلمات.. لأن ما عشناه من أيام، وما تعايشنا معه من حميمية مع أقربائنا وأصدقائنا؛ قد غادرت حياتنا.. فهل من عودة إلى ذلك الزمن الجميل؟!
نحاول الهروب من تلكم الشبكات؛ لكنها تطاردنا بعدما اعتمدنا عليها في رسم أسلوب حياتنا؛ لتشخص حالتنا بالمدمنين عليها؛ بل ودمرت بالفعل بعض كيانات المجتمع وعلاقته مع الآخرين.. ليتخلخل أفراده.. كيف لا!! وتجد الطفل منذ استيقاظه صباحًا وحتى قبيل خلوده للنوم؛ وهو يتصفح مواقع ومنصات الشبكات الاجتماعية؛ التي قد تجلب له الأمراض جراء الإفراط في متابعتها؛ كما يؤكد علماء النفس وخبراء أطباء الأسرة والمجتمع.
وهناك تأثر بالمضامين السلبية التي تحتوي عليها تلكم الشبكات، والاندماج الشديد بأشخاص غير معروفين ممن يضخون منتجات هابطة وسلوكيات بعيدة عن تعاليم الدين الإسلامي؛ فقد أصبح الفرد أمام أزرار تتحكّم في حياته الاجتماعية وعلاقته بمن حوله.. فأصبحت التهاني في المناسبات، وتبادل رسائل وعبارات الأفراح.. بضغطة زر؛ حتى انعدمت روح التواصل الحقيقية بين الأهل والأصدقاء.. فقد تمكنت التكنولوجيا الحديثة من تحويل أفراد العائلة الواحدة إلى آلات.. إذ إن كلًا منهم يمسك بهاتفه الجوال ليغيب في عالم افتراضي ينسيه الواقع.
وأرى أن الشبكات الاجتماعية وخاصّة منصة “X”، و “You Tube”؛ استحوذت على أكثر من 80% من حياتنا؛ إذ إن ما نقرأه وما نشاهده يصرف تركيزنا بعيدًا عما يدور في العالم الحقيقي؛ ومع هذا الإدمان الرقمي تزداد الفجوة عمقًا بيننا وبين أهلينا وأصدقائنا؛ إذ تقل مشاركتنا لهم في النشاط الواقعي الذي يمارسونه، ومن ثمّ فإن غالبية العلاقات الاجتماعية تفسد بسبب هذا الاجتياح الإلكتروني؛ فهل هناك لقاح أو جُرعات علاجية تُنقذنا من هذا الفيروس الذي لا ندري.. أين يوصلنا؟! أو يؤدي بنا إذا استمرينا في الأخذ به والانصياع إليه.
وقفة تأمل..
علينا.. شرائح المجتمع وأفراده كافة.. أن نتعامل مع هذه الشبكات.. انطلاقًا من قيمنا، وإيمانًا بمبادئنا، وتمسكًا بأخلاقنا.. لا نرفض التعامل معها.. ولكن نستخدمها استخدامًا يعيننا على التعلم والتطور وفق النهج السليم.. علميًا ومعرفيًا؛ وتحديد مواعيد معينة لاستخدامها حتى نحافظ على كياننا الاجتماعي؛ خاصّةً أن التكنولوجيا في تطور مستمر.. نعم نتعامل مع الشبكات الاجتماعية باعتبارها ميزة إضافية، ولا نسمح لها بأن تهيمن على حياتنا الاجتماعية؛ فإن لم يضع الإنسان قواعد معينة لاستخدامها فسيفلت منه زمام الأمور.
0