المقالات

قصة (اللص) الشريف!!

ذكر الشاعر والكاتب الدرامي الباكستاني الشهير “ميرزا أديب” المتوفي سنة 1999م، في كتابه بعنوان: “المصباح الترابي”، قصة غريبة علقت في الأذهان حتى باتت ضمن أشهر ما كتب؛ حيث سرد أحداثًا عجيبة تصف أغرب سرقة حدثت في التاريخ الإنساني.
يقول الشاعر: ذهبت إلى مدينة دلهي في الستينيات الميلادية للعمل، وفي أحد الأيام نزلت من الحافلة؛ وبعد أن فتشت جيوبي، تفاجأت بأن أحدًا من في الحافلة قد قام بسرقتي، وما كان في جيبي حينها سوى مبلغ يساوي تسع روبيات؛ إضافة لرسالة في ظرف بريد كنت قد كتبتها لوالدتي أقول فيها: “أمي الحنون، لقد فصلت من عملي، ولا أستطيع أن أرسل لك هذا الشهر مبلغ الخمسين روبية التي اعتدت إرسالها لك في نهاية كل شهر”.
كنت قد وضعت رسالتي هذه -والكلام لا يزال للشاعر – منذ ثلاثة أيام على أمل أن أقوم بإرسالها لوالدتي في وقت لا حق بما يتوفر من روبيات، وبالرغم من أن الروبيات التسع التي سرقت مع الرسالة لا تساوي شيئًا؛ لكن الذي فصل من عمله؛ وسرق ماله تساوي في نظره المبلغ الكبير جدًا.
بعد أيام وصلتني رسالة من والدتي توجست خوفًا منها، وقلت في نفسي لا بد أنها طلبت المبلغ الذي اعتدت إرساله إليها مع نهاية كل شهر، لكني عندما قرأت رسالتها، ذهلت كونها تحمل الكثير من الشكر والدعوات لي ، قائلة: “وصلتني حوالتك المالية (50) روبية، كم أنت رائع يا بُني ، تقوم بإرسال المبلغ في وقته ولا تتأخر بتاتًا، على الرغم من ظروفك المالية الصعبة نتيجة لفصلك من العمل ، أدعو لك بالتوفيق وسعة الرزق”.
عشتُ مترددًا ومحتارًا لأيام بعد استلام رسالة والدتي، كنت أسأل نفسي من يا ترى الذي قام بإرسال هذا المبلغ إلى والدتي؟!! وبعد أيام وصلتني رسالة أخرى على بريدي، كتب فيها مرسلها الآتي: “حصلت على عنوانك من ظرف الرسالة التي كنت سوف تقوم بإرسالها لوالدتك، وقد أضفت إلى روبياتك التسع، إحدى وأربعين روبية كنت قد سرقتها سابقًا من أناس آخرين، وأرسلتها في حوالة مالية إلى والدتك حسب العنوان الذي في رسالتك، وبصراحة فإني قد فكرت في أمي وأمك، فقلت في نفسي: لماذا تبيت أمك أيامها طاوية على الجوع وأتحمل ذنبك وذنبها؟ تحياتي لك ولأمك؛ أنا صاحبك الذي قام بسرقتك في الحافلة ، أرجو أن تغفر لي!!”
يقول الشاعر “ميرزا”: أحيانًا قد نصادف لصوصًا أشرف بكثير من أولئك الذين يرفعون شعارات في حقيقتها منزوعة الدسم، إن لم تكن مزيفة.
يذكر أن الشاعر والأديب الباكستاني “ميرزا” ولد في مدينة لاهور التي كانت تابعة للهند إبان الاستعمار البريطاني عام 1914م، حصل على البكالوريوس في الآداب من الكلية الإسلامية في لاهور، كرّس حياته لنظم الشعر وكتابة المسرحيات عن الأحداث اليومية التي تحدث في المجتمع، وقد فازت مسرحياته وقصصه القصيرة بست جوائز من رابطة الكُتاب الباكستانيين.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إنها الأقدار ألتى يسيّرها رب العباد فلنتأمل القصة من منظور آخر .. فالحكمة تقول( أن الله يعطيك من حيث منعك ) وأن ما يقع لك هو قدر الله وخيرته التى فيها الخير من حيث لا تعلم فالشاعر والأديب الباكستاني ميرزا لم يكن فى مقدوره إرسال المبلغ الشهرى لوالدته كالمعتاد وهو حق عليه لحقها عليه بِراً بها وأنه متأثر بذلك لظروف فصله من العمل فأراد الله أن يجبر خاطره لبره بوالدته والرزق عند الله مكتوب لها وهذه هي إرادة الله جل وعلا فى ملكوته ( يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض ) ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى