المقالات

النضوب والجفاف

من المهم أن ننتبه لعِظات التاريخ؛ فقد كنت أتابع فيلمًا وثائقيًّا عن حياة هنري كيسنجر، وكان يبدو أثناء مراحل حياته يتدفق نشاطًا ويُشع حيوية ثم نضب وجف وانكمش، ولكن بعد أن ملأ الدنيا بمؤامراته لقد بقي مخلصًا لأمريكا ولإسرائيل ويحرك العالم لهذين الهدفين.
إن المقارنة بين الطاقة المتفجرة لحيوية كيسنجر أثناء عمله بالخارجية الأمريكية ومقارنتها بصورته الأخيرة بعد أن صار مغضَّن الوجه ويتسم بالنضوب والجفاف، إن هذا يقدم موعظة عميقة فالحياة قصيرة والفناء ينتظر الفرد مهما طال عمره.
كيسنجر أدار المباحثات الناجحة مع السوفيت حول معاهدة الحد من التسلح كما أدار مباحثات أخرى بمهارة فائقة ونجاح خارق مع الصين؛ حيث مهَّد للقاء التاريخي بين الرئيس الصيني ماو تسي تونغ والرئيس الأمريكي نكسون، وهيأ الظروف لوقف الحرب في فيتنام.
كما أدار المؤامرات لتكبيل أمريكا اللاتينية وإبقائها خلفية راكدة للولايات المتحدة؛ فعمل على إفشال الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور الليندي، وانتهت المؤامرة بقتله وعودة تشيلي إلى التدجين الأمريكي، وما تزال تشيلي تعاني آثار تلك المؤامرة.
وأثناء حرب رمضان المجيدة قاد اليهودي كيسنجر دبلوماسية ناجحة لمصلحة إسرائيل؛ فتم إفشال النصر المصري، وتمت التهيئة للصلح بين مصر وإسرائيل والصلح بين الأردن وإسرائيل.
هكذا قد يُتاح للفرد في عنفوان صحته أن يقود سلسلة من المظالم التي يمتد ضررها إلى كل العالم، وتتأثر بها أجيال فيُسهم في توسيع البؤس العالمي.
ظل كيسنجر يكتب ويؤلف حتى بعد شيخوخته؛ فقد طال عمره وامتد أذاه. من مؤلفاته المترجمة إلى اللغة العربية:
– النظام العالمي.
– ⁠نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين.
– ⁠الدبلوماسية في مجلدين.. تناول المجلد الأول الدبلوماسية من القرن السابع عشر وحتى بداية الحرب الباردة، وتناول المجلد الثاني الدبلوماسية في الفترة التالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى