المقالات

أغرب صداقات التاريخ…(فيكتوريا) و(عبدول)!!

من أغرب علاقات الصداقة الإنسانية في التاريخ، تلك التي جمعت بين الملكة (فيكتوريا) إحدى أشهر ملكات بريطانيا، مع خادمها الشخصي الهندي (عبدول عبد الكريم).
تربعت الملكة (فيكتوريا)على عرش بريطانيا لفترة تجاوزت (63) عامًا، غير أن جزءًا من حياتها ظل خفيًا، وهو علاقتها بخادمها الهندي، الذي ولد في الهند من أسرة مسلمة عام 1836م، كان والده يعمل ممرضًا في مستشفى تابع لسلاح الفرسان البريطاني، حسب تقرير للكاتبة (سابرينا بار) نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية.
جاء (عبدول) من الهند إلى بريطانيا لخدمة الملكة (فيكتوريا)، وكانت تطلق عليه اسم “موشي”، أي “المعلم”؛ عمل على خدمتها في الخمسة عشر عامًا الأخيرة من حكمها لبريطانيا، واستطاع أن يكسب ثقتها على الرغم من الفوارق الاجتماعية الكبيرة بينهما.
أعجبت الملكة بشخصيته وذكائه وثقافته، فجعلته خادمها المقرب، وصديقها، ومعلمها، ومرشدها المخلص، تسببت هذه العلاقة في مشاكل كثيرة داخل البلاط الملكي؛ خاصةً بين كبار الموظفين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم في مرتبة أعلى من الخدم، غير أن ذلك لم يغير من الأمر شيئًا، إذ أصرت الملكة على اصطحاب خادمها “عبدول” معها في رحلاتها الرسمية، وأن يعامل معاملة موظفي البلاط الملكي، مما سبب خلافات كبيرة بين كبار الموظفين، لدرجة أن ابن الملكة الأمير (إدوارد) وريث العرش حاول إبعاد (كريم)، ولكن الملكة رفضت ذلك.
وذكرت مؤلفة كتاب “فيكتوريا وعبدول” الكاتبة البريطانية (شارباني باسو)، بأنها اطلعت على أوراق خاصة كتبها أفراد عائلة الملكة، وقد ذُكر في إحدى الأوراق رفضهم له بوضوح شديد، حيث كتب أحدهم أن الملكة كانت مهووسة بخادمها (عبدول).
وذكرت المؤرخة البريطانية (كارولين إريكسون) في كتابها بعنوان: “جلالة الملكة الصغيرة: حياة الملكة فيكتور)، أن العنصرية كانت آفة العصر الفيكتوري، وقد تزامنت مع الإيمان بمدى ملاءمة وهيمنة بريطانيا العالمية.
وكان وضع الخادم الهندي ذي البشرة الداكنة في المنزلة نفسها مع خادمي البلاط البيض أمرًا غير مقبول، لذلك كانت مشاركته لهم عند تناول الطعام على طاولة واحدة بمثابة إهانة لهم.
قامت الملكة بتكريم خادمها (عبدول) بأن جعلته سكرتيرها الخاص وكبير الموظفين في البلاط الملكي، وأغدقت عليه بالتشريفات، ويعتقد البعض من المؤرخين أن (عبدول) ساهم في تغيير سياسة بريطانيا تجاه بلده الهند؛ وخاصة الوضع بين المسلمين والهندوس، والذي كان من نتيجته تقسيم الهند وإنشاء دولة باكستان.
ظل (عبدول) إلى جانب الملكة حتى وفاتها سنة 1901م، وبعد وفاة الملكة قام خليفتها في عرش بريطانيا ابنها الملك (إدوارد) بإبعاد (عبدول) عن البلاط وأمره بالمغادرة إلى بلده الأم الهند، كما قام بإتلاف كل المراسلات التي كانت تربط (عبدول) بوالدته الملكة، والتي كانت بعضها بختم الملكة تكريمًا لخادمها المخلص.
ألهمت هذه العلاقة الغريبة الكثير من الروايات والأفلام حول علاقة الصداقة غير المألوفة ولا المتكافئة بين الملكة وخادمها الهندي، كان آخرها فيلم سينمائي أمريكي من إخراج (ستيفن فريزر)، بعنوان: (فيكتوريا وعبدول)، قام ببطولته كلٌّ من الممثلة البريطانية الشهيرة (جودي دينش)، والممثل الهندي الشهير (علي فضال)، أنتج سنة 2017م.
عاش (عبدول) بعد وفاة الملكة (فيكتوريا) في بلده الهند على الأرض التي منحته إياها الملكة حتى وفاته سنة 1909م.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سبحان الله المتصرف فى قلوب خلقه كيف يشاء فإذا تآلفت القلوب بهذا الشكل الذى كانت فيه علاقة الملكه فيكتوريا وعبدول فإن الملكه رأت فيه شكلا وخلقاً لم يراه غيرها والحكمة فى ذلك يعلمها الله…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى