المقالات

“الإعلاميون الأفراد” مبادرة وطنية لتطوير الممارسة المهنية في البيئة الرقمية

استجابة للتطورات المتسارعة في البيئة الرقمية؛ خاصةً مع انتشار الأخبار الكاذبة والتضليل الإعلامي، وما تتعرّض له المجتمعات من موجات من الثقافات والقيم الأجنبية، التي قد تتعارض مع الهوية المحلية مما يهدد بزوال الهوية الوطنية والموروث الثقافي، ومع بروز ظاهرة المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح من الضرورة بمكان إطلاق مبادرة وطنية لتطوير الممارسة المهنية لهؤلاء المؤثرين، تهدف إلى تمكينهم وتعزيز مهاراتهم وقدراتهم المهنية، وتزويدهم بالأدوات والمعرفة اللازمة لمواكبة التطورات المتسارعة في البيئة الرقمية، عبر توفير بيئة تعليمية وتدريبية محفزة للتواصل وتبادل الخبرات والمعرفة، وتشجيع التعاون والتواصل بين الإعلاميين الأفراد من خلال إنشاء منصات تواصل إلكترونية، وورش عمل تفاعلية، وتنظيم مؤتمرات تقدم كل جديد في هذا المجال على مستوى العالم؛ بالإضافة إلى تنظيم مسابقات وجوائز، وتقديم الدعم المادي والمعنوي، وتوفير منح دراسية للإعلاميين الموهوبين.
يتحقق من خلال هذه البيئة الانتقال من المحتوى التسويقي البحت الذي يهدف إلى جذب المشاهدات والإعلانات لمشاهير التواصل الاجتماعي إلى إدراك دورهم المجتمعي ووظيفتهم الإعلامية في خدمة المجتمع، هذا لا يعني أن تتعارض أدوارهم الوظيفية مع الاستفادة المادية من حساباتهم ومنصاتهم، بل يمكن تحقيق ذلك مع إضافة قيمة حقيقية تستحق النشر والمتابعة، بحيث يصبحون مسوقين لمجتمعهم وقيمهم وليس فقط للسلع الاستهلاكية.
يهدف هذا المشروع الطموح إلى بناء جيل جديد من الإعلاميين الرقميين ليكون لهم دور كبير في تعزيز الشعور بالانتماء من خلال إبراز الهوية الوطنية والثقافية، ومكافحة انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة، كما سيكون لهم دور مهم أيضًا في دعم التنمية المستدامة، وذلك من خلال إنتاج محتوى يُسلط الضوء على القضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية، بدلًا من المحتويات الاستهلاكية التي أصبحت منتشرة بشكل مبالغ فيه دون فائدة حقيقية للمجتمع.
يمكن أن تتبنى مبادرة “الإعلاميون الأفراد” هيئة خاصة من خلال الشراكة مع الجامعات والمؤسسات التعليمية والتدريبية للإفادة من الخبرات الأكاديمية في الإعلام الرقمي، لتحقيق نقلة نوعية في عالم الإعلام الرقمي من خلال تعزيز قيم المصداقية والحيادية والموضوعية والتثقيف والأخبار والترفيه مع الحفاظ على هوية المجتمع وقيمه في الوقت ذاته، بهذا الشكل يكون لدينا مجموعة من الإعلاميين الشباب لديهم حضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي عبر منصاتهم بمهنية عالية يمثلون مجتمعهم، ويسهمون في تقديم محتوى موثوق ومسؤول لبناء مجتمع واعٍ ومثقف.

على الرغم من التحديات التي قد تواجه مثل هذه المبادرة وغيرها من المبادرات ذات العلاقة، فإننا نؤمن بأن الاستثمار في الإعلاميين الأفراد هو استثمار في مستقبل أفضل، فالإعلام الرقمي أصبح قوة مؤثرة في تشكيل الرأي العام، وبالتالي فإن تطوير قدرات الإعلاميين الأفراد يساهم في بناء مجتمعات أكثر وعيًا وتسامحًا وتقدمًا، لدينا بالفعل كل المقومات للعمل على هذه المبادرة الوطنية لإعادة تأهيل نخبة من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ليكون كل منهم أقرب لمؤسسة إعلامية فردية قادرة على المشاركة الإعلامية الواعية والمهنية، بكل سبل التدريب والتحفيز سواء عبر المواد العلمية أو الفعاليات والمسابقات الوطنية لتشجيع المحتوى القيم والأعمال المميزة، فيكون التنافس على تقديم المحتوى الأفضل وليس فقط جذب الانتباه والمشاهدات الأعلى دون جدوى من المحتوى المقدم، بهذا الأسلوب يمكن للإعلاميين الأفراد أن يصبحوا رموزًا للتغيير الإيجابي في المجتمع، ويكون لهم دور فعال في بناء مستقبل أفضل للإعلام الرقمي في بلادنا.

-الممثل الإعلامي للمملكة في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى