المقالات

بالعَطاءِ تتجلَّى القِيَم الإنسانيَّة… “المملكة العربية السعودية نموذج عالمي يُحتذى به في الدعم الإغاثي والإنساني”

منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – حرصت المملكة العربية السعودية على غرس قيم العمل الخيري والإنساني في نسيجها الوطني، وكانت هذه القيم أحد أهم الركائز التي اعتمدتها المملكة في سياساتها الداخلية والخارجية؛ حيث تمثّلت رؤية القيادة الحكيمة في تقديم العون والمساعدة لكل من يحتاجها، سواء داخل المملكة أو خارجها. ومع مرور السنوات، لم تتغير هذه الرؤية، بل ازدادت قوةً وتوسعًا لتشمل مختلف أنحاء العالم، بفضل القيادة الرشيدة لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله -.
لقد أدركت القيادة السعودية منذ البدايات أن العمل الخيري والإنساني ليس مجرد وسيلة لتقديم الدعم المادي، بل هو رسالة نبيلة تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية، وتعزيز السلم والاستقرار في المناطق المتضررة من الأزمات والكوارث في أنحاء العالم، ولم تكن هذه الجهود مقتصرة على الحاضر فقط، بل امتدت عبر العقود لتشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية السعودية.
وفي هذا السياق، قامت المملكة، منذ عام 1975م وحتى عام 2024م، بتقديم مساعدات إنمائية وإنسانية بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 131 مليار دولار أمريكي، هذه المساعدات لم تكن محدودة بمناطق معينة أو دول بعينها، بل امتدت لتشمل 171 دولة حول العالم، حيث تم تنفيذ أكثر من 7,090 مشروعًا إنسانيًا وإغاثيًا وتنمويًا في مختلف القطاعات، وبهذه الجهود الكبيرة، استطاعت المملكة بنهاية عام 2023م أن تحتل المرتبة الرابعة عالميًا بين أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والإغاثية، وذلك وفقًا لمنصة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة، حيث قدمت المملكة في عام 2023م وحْدَهُ مساعدات بقيمة تفوق المليار و200 مليون دولار أمريكي، ما يُعادل 3.6% من إجمالي المساعدات الدولية المقدمة للدول النامية والمتضررة.
ولم تكتفِ المملكة بتقديم المساعدات المالية فقط، بل اتخذت خطوات إستراتيجية لتعزيز دورها الإنساني على الصعيد الدولي من خلال إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في 13 مايو 2015م. هذا المركز أصبح منذ تأسيسه حجر الزاوية في جهود المملكة الإنسانية؛ حيث قام بتنفيذ أكثر من 3,009 مشاريع في قطاعات حيوية شملت 100 دولة حول العالم، تجاوزت القيمة الإجمالية لهذه المشاريع 6 مليارات و940 مليون دولار أمريكي، واستفاد منها الملايين من الأشخاص من الفئات الأكثر احتياجًا، دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنسية.
ومن منطلق حرص المملكة على توثيق جهودها الإنسانية وحفظ حقوقها في العطاء على المستوى الدولي، تم إطلاق لعدد من المنصات الإلكترونية الإغاثية والتطوعية التي تهدف إلى تسجيل وتوثيق المساعدات السعودية، ومن هذه المنصات: منصة المساعدات السعودية، ومنصة المساعدات المقدمة للاجئين في المملكة، ومنصة التطوع الخارجي، ومنصة التبرع الإلكترونية “ساهم”، جميعها تُسهم في تعزيز الشفافية وتسهيل وصول المعلومات للمجتمع الدولي حول حجم ونوع المساعدات التي تقدمها المملكة.
وفي إطار التزام المملكة بمساعدة الشعوب الشقيقة والصديقة، أطلق مركز الملك سلمان للإغاثة مجموعة من البرامج النوعية التي تستهدف دعم الأشقاء في اليمن، من بين هذه البرامج، البرنامج السعودي لنزع الألغام (مسام)، الذي يسعى إلى حماية الأرواح وتطهير الأراضي اليمنية من خطر الألغام، إلى جانب إنشاء مراكز الأطراف الصناعية التي تقدم الدعم للأشخاص الذين فقدوا أطرافهم جراء النزاعات، كما شمل الدعم السعودي مشروع إعادة إدماج الأطفال الذين كانوا مرتبطين بالنزاع المسلح، في خطوة تهدف إلى إعادتهم إلى حياتهم الطبيعية وتعليمهم وتأهيلهم؛ ليصبحوا أفرادًا فاعلين في المجتمع.
ولم تكن جهود المملكة الإنسانية مقتصرةً على تقديم الدعم المادي فقط، بل اتسعت لتشمل الجوانب الاجتماعية والإنسانية الأخرى، ومنها استقبال اللاجئين؛ حيث تُعد المملكة العربية السعودية من بين أكثر الدول استقبالًا للاجئين، لتوفر لهم الرعاية الصحية والتعليمية مجانًا، وتحرص على اندماجهم في المجتمع السعودي، مع توفير فرص العمل والتعليم في المدارس العامة. هذه السياسات الإنسانية النبيلة تعكس التزام المملكة بقيم العدل والمساواة، وتأكيدًا على الدور الريادي الذي تضطلع به في المجتمع الدولي.
وفي إطار دعمها للأشقاء في قطاع غزة، بادرت المملكة من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة بتسيير جسر جوي مكون من 54 طائرة، بالإضافة إلى جسر بحري مؤلف من 8 سفن كبيرة محملة بمواد غذائية وإيوائية وطبية تزن 6,600 طن. كما تم التعاون مع المملكة الأردنية الهاشمية لتنفيذ عمليات إسقاط جوي للمساعدات الغذائية النوعية للمتضررين في القطاع؛ وذلك في خطوة جريئة تهدف إلى كسر الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال الغاشم على المعابر الحدودية، وبلغت القيمة الإجمالية للمساعدات المقدمة حتى الآن للشعب الفلسطيني في قطاع غزة 185 مليون دولار أمريكي. إضافة إلى ذلك، قدم المركز دعمًا ماليًا لعلاج مرضى السرطان من أهالي قطاع غزة في الأردن؛ حيث استفاد من هذا الدعم 150 فردًا، بقيمة بلغت 3 ملايين و615 ألف دولار أمريكي.
ولم تقتصر جهود المملكة الإنسانية على المناطق العربية فحسب، بل امتدت لتشمل مختلف أنحاء العالم. ففي جمهورية تركيا، أطلق مركز الملك سلمان للإغاثة برنامج “سمع السعودية” التطوعي لتأهيل المتضررين من الزلازل في سوريا وتركيا، وهو البرنامج الإنساني الذي يُعَد الأكبر من نوعه عالميًا في مجال زراعة القوقعة والتأهيل السمعي، ومؤخرًا استجابةً للأزمة الإنسانية الحادة في نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون وبوركينا فاسو ومالي، أعلنت المملكة العربية السعودية ممثلة بمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عن استضافتها لمؤتمر المانحين لدعم النازحين واللاجئين في منطقة الساحل وبحيرة تشاد في 26 أكتوبر 2024م.
ومن بين الإنجازات الإنسانية الكبرى التي حققتها المملكة، اعتمدت الأمم المتحدة يوم 24 نوفمبر من كل عام كيوم عالمي للتوائم الملتصقة، وذلك بمبادرة من المملكة العربية السعودية، ويأتي هذا الاعتماد تزامنًا مع مرور 30 عامًا على بدء البرنامج السعودي للتوائم الملتصقة؛ حيث سينظم مركز الملك سلمان للإغاثة مؤتمرًا دوليًا بهذه المناسبة في شهر نوفمبر المقبل بمدينة الرياض، تحت رعاية مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله -. كما سينظم المركز في شهر فبراير 2025م منتدى الرياض الدولي الإنساني في نسخته الرابعة، ليكون منصة عالمية تجمع المختصين والمهتمين بالشأن الإنساني لمناقشة التحديات والفرص في هذا المجال.
وتُعد هذه المشاريع والبرامج الإنسانية الكبيرة التي ينفذها مركز الملك سلمان للإغاثة علامة بارزة في سجل المملكة الإنساني، وقطرة في بحر عطاءاتها الإنسانية، وفي ظل احتفال العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني في التاسع عشر من أغسطس من كل عام، تستمر المملكة في تقديم يد العون والمساعدة بسخاء، ملتزمة بتوجيهات حكومتها الرشيدة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله – سعيًا لتحقيق رؤية المملكة 2030 التي تجعل من العمل الإنساني السعودي نموذجًا يُحتذى به على مستوى العالم.
في الختام، تظل المملكة العربية السعودية في طليعة الدول التي تساهم في العمل الإنساني والإغاثي على المستوى العالمي، مستندة في ذلك إلى قيمها الإسلامية الراسخة والتزامها بالقانون الدولي. تحت قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو سيدي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله – تستمر المملكة في تقديم الدعم السخي للمحتاجين والمتضررين من الأزمات والكوارث حول العالم، مؤكدة على دورها كدولة رائدة في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، ومن خلال هذه الجهود، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز مكانتها كقوة فاعلة في تحقيق السلم والأمن الدوليين، ملتزمة بدورها الإنساني على الساحة العالمية. يأتي ذلك كله من منطلق المسؤولية الأخلاقية والدينية التي تتحملها المملكة كقائدة للعالم الإسلامي.
حفظ الله المملكة وقادتها وشعبها، وأدام عزها ومجدها ووحدتها، وجعلها ذخرًا للإسلام والمسلمين.

-أستاذ القانون الدولي – جامعة جدة # سياسي – دولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى