تتصاعد اليوم وبشكل كبير للغاية معاداة الإسلام في المملكة المتحدة، ممّا يثير الخوف والقلق بين المسلمين خاصّة بعد حادثة الطعن في 29 يوليو في مدرسة للرقص في ساوثبورت عندما قُتل (3) أطفال. وأعرب حينها عدد من الصحفيين البريطانيين عن قلقهم العميق إزاء تصاعد العنف العنصريّ والمعادي للإسلام الذي بدأته جماعات اليمين المتطرّف في المدينة الساحليّة، ما لبث أن امتدّ إلى مدن أخرى في المملكة المتحدة. وعلى الرغم من تأكيد السلطات أنّ المشتبه به ليس مسلماً، إلّا أنّ المعلومات المضلّلة انتشرت بسرعة على الإنترنت مشيرة إلى أنّ المهاجم كان “مهاجرًا إسلاميًّا”. وقد تمّ التعرّف على المشتبه به يوم الخميس باسم أكسل روداكوبانا، الذي ولد في ويلز لأبوين روانديين، وليس له صلة بالإسلام والمسلمين. كما وجّهت التّهم إلى بريطانيين ليسوا من أصول إسلامية أو عربية كما كان مزعوما. ولكن المعلومات المضلّلة كانت قد انتشرت انتشار النار بالهشيم.
وقد أدى هذا إلى تجمّع مجموعة كبيرة من البريطانيين المعادين للإسلام للتظاهر حول مسجد في ساوثبورت، ومهاجمة الشرطة وإشعال النار في شاحنة صغيرة، وإلقاء أشياء على المسجد وهم يردّدون شعارات معادية للإسلام من دون مبرّر واضح فتحول أمر لا علاقة له بالمسلمين إلى قضية إسلامية، بل ساهمت حسابات مجهولة على وسائل التواصل الاجتماعيّ في انتشار هذه المعلومات المضلّلة التي هدفت في المقام الأول لتعزيز كراهية الإسلام، ولتصوير المسلمين على أنّهم إرهابيون وعنيفون وكارهون للنساء.
هذا الصراع المتأجّج ضد الإسلام ليس وليد اليوم بل هو تاريخ ممتدّ منذ الحروب الصليبيّة؛ إذ تعود جذور الإسلاموفوبيا المعاصرة إلى المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين التي روّجتها الكنيسة المسيحيّة في العصور الوسطى قبل الحروب الصليبية (1096-1291) وأثناءها. فكراهية الإسلام منتشرة على نطاق واسع، ومحاولة تنميط المسلمين في صورة سلبية للغاية منتشرة في الأوساط العلميّة والإعلاميّة وليست هامشيّة بل إنّ اليمينيين المتطرّفين وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الشعبيّة في المملكة المتحدة كانت ولاتزال السبب في نشر الروايات الكاذبة، ممّا أدّى إلى تصاعد العنف ضد المسلمين في مناطق مختلفة من أوروبا وليس في بريطانيا فحسب؛ لأنّ العداء متجذّر ضدّ المسلمين. فمنذ نهاية الحرب الباردة، تعزّزت صورة نمطية وصمت الإسلام بالعداء تجاه الآخر، وقد انتشرت بشكل كبير، ثمّ كانت حملة “الحرب على الإرهاب” التي أطلقتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر، وترافق معها صعود تنظيم الدولة الإسلامية في أعقاب حرب العراق، والخطاب المناهض للمسلمين الذي نشرته المنظمات القوميّة البيضاء عبر الإنترنت، وصعود الجماعات اليمينيّة المتطرّفة التي تعارض وجود المسلمين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هذه الحملات المتصاعدة ولّدت مصطلحًا جديدًا هو الإسلامفوبيا. ويُعرَّف بأنه الخوف من الإسلام. والفوبيا بحدّ ذاتها هي خوف غير عقلانيّ، وعداء وتحيّز ضد الإسلام والمسلمين. يتمّ التعبير عن مثل هذه المشاعر أحيانًا من خلال الصور النمطيّة التي تصوّر المسلمين على أنّهم تهديد جيوسياسيّ أو مصدر رئيس للإرهاب. ورغم أنّ المفهوم تمّ تفنيده ومناقشة المعنى الدقيق للمصطلح من قِبل فئات من المفكرين والأكاديميين العقلاء إلّا أنّ هناك من يثير وبشكل مستمر الصراع بين الأديان، ويؤجّج الخوف من الإسلام. حتى إن المسلمين -وفي فترات متفاوتة من تاريخ الغرب الحديث- لم يعودوا يشعرون بالأمان.
وقد كشفت دراسات عديدة أجريت في أوروبا وأمريكا الشمالية أنّ النساء المحجبّات والمتنقبّات أكثر عرضة للعداء من الرجال المسلمين. هذا وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرارًا قدّمته باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي والذي أعلن يوم 15 مارس “اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا”. إلّا أنّ موجات العداء لا تكاد تهدأ في مظاهر غير حضاريّة وغير منصفة.
وعلى الرغم ممّا يوصم به الإسلام والمسلمون من إساءة فهم، إلّا أنّ المتفحّص لتعاليم الإسلام من الغربيين يجد الاسلام دينًا سمحًا يؤمن بحقّ الإنسان في الحياة وفق المعتقد الذي يختاره لنفسه، ولا يجوز إكراه أحد على الإيمان بالله، وقد عاشت الدولة الإسلامية الأولى بل وحتى زمن الفتوحات الإسلاميّة عصورًا ذهبيّة فيها دروس عن التعايش السلميّ بين أفراد المجتمعات بكافة أطيافهم ومذاهبهم.
خلاصة القول إنّ ما يواجهه الإسلام والمسلمون في الغرب لايعكس الحضارة بل زيفها في أبشع صورها، والعداء غير المبرّر ضد أحد فئات المجتمع أمر يتطلّب وقفات صارمة من الداعمين لإرهاب المسلمين بشكل عام، وأولئك الذين يدّعون احترام الأديان إذ لا نجد تظاهرة خرجت في دولة عربية أو إسلامية بل خرجت في دول تدّعي أنّها ديمقراطية ومتقدّمة، بل وتصنّف غيرها بأنّه من العالم الثالث. فعلى الساسة وصنّاع القرار في هذه الدول مكافحة الإرهاب ضد الإسلام ومحاربة بث الشائعات المغرضة للنيل من أي دين أو جنس أو ملّة.
– جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل