في يوليو عام 2008 نظّمت شرطة مدينة مانشستر البريطانية ومنتدى الأديان بالمشاركة مع الـ”بي بي سي” مؤتمرًا كبيرًا عن ما يسمى بجرائم الشرف. جاءت الدعوة إلى المركز الثقافي الإسلامي في لندن للمشاركة في هذا المؤتمر، وفضيلة مدير المركز كلفني بالمشاركة في هذا المؤتمر نيابةً عن المركز الثقافي الإسلامي. عندما ذهبت إلى مدينة مانشستر وجدت أمرًا يصعب وصفه. ذلك لأن المنصة كان عليها ثلاث نساء من خلفيات مسلمة، تعرضن للتعذيب والإهانة ومحاولة القتل وتشويه أجسادهن، وأجمعت الأخوات الثلاث على أن الذي جرى لهن هو بسبب الدين الإسلامي، ومن أجل ذلك تركن هذا الدين.
وقدمت شرطة مانشستر الأرقام والإحصائيات لمثل هذه الأنواع من الجرائم وللأسف الشديد كل مرتكبي الجرائم يحملون أسماء إسلامية وعلى وثائقهم أنهم مسلمون. كانت مهمة صعبة جدًّا لمواجهة الجمع الغاضب، وكنت أفكر كثيرًا فيما يجب أن أقول أو أفعل، لأن لهذه الواقعة ما وراءها. ظننت أنني أحمل مسؤولية الأمة على عاتقي هذا اليوم. فقد كانت المداخلات تحمّل الدين الإسلامي العنف، وكان هناك تحامل وتشويه متعمد من البعض.
عندما جاء دوري في الحديث، صعدت المنصة، وتوجهت مباشرة إلى الأخوات الثلاث، وقلت لهن: إن الذي حدث معكن جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولو كان الدين الإسلامي يُبيح الاعتداء على الناس وتشويه الأجساد كما حدث معكن لما اتبعته أبدًا. ولكن الذي حصل معكن يا أخواتي جريمة من تراكمات العادات والتقاليد التي جرى عليها الناس في بعض مناطق العالم الإسلامي والإسلام منها براء، بل يُحارب الإسلام هذه الجرائم ويعاقب مرتكبيها. ثم توجهت إلى منظمي المؤتمر وقلت: إنه لا شرف في الجريمة مطلقًا وأن تسمية مثل هذه الجرائم بجرائم الشرف أمر معيب ومسيء. فالجريمة مهما اختلفت مسمياتها وأسبابها تظل جريمة وتستحق العقوبة والردع.
ثم قلت: إن الإسلام أوكل مسألة العقوبة على الجرائم للسلطان والقضاء. فليس لأحد الحق أن يعاقب بهواه وكيفما أراد دون التحقق من وقوع الجريمة وأسبابها. وقلت اسمحوا لي أن أشارك معكم أمرًا عظيمًا، وهو أن السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- الصديقة بنت الصديق اتِّهمت زورًا وبهتانًا من قبل المنافقين والذين في قلوبهم مرض بمثل موضوع المؤتمر، وأنزل الله في براءتها وعفتها قرآنًا يُتلى إلى يومنا هذا، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة النور: الآية 11) خلال هذه الفترة الشاقة والمريرة التي قاربت الشهر لم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة (رضي الله عنها) أو يرفع صوته عليها. تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): حِينَ قالَ أهْلُ الإفْكِ ما قالوا، وكُلٌّ حدَّثَني طَائِفَةً مِنَ الحَديثِ، قالَتْ: فَاضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي وأَنَا حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ يُبَرِّئُنِي، ولَكِنِّي واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى، ولَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ يُتْلَى، وأَنْزَلَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ-: (إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ) (سورة النور الآية 11) العَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا. البخاري : 7545.
وجدت الBBC ضالتها لتستوقفني! أأنت تتحدث عن زوجة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ قلت: نعم أهل النفاق والإفك قالوا هذا الكلام. والقرآن سجّل هذه الواقعة وأنزل الله “سورة النور” ليعلن براءتها وطهرها.
ثم قلت لهم: إن الله يبتلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لنتأسى به ونقتدي به في كل معاملاتنا وما يطرأ في حياتنا يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (سورة الأحزاب: الآية 21)، انتهى المؤتمر وكسبنا الأصدقاء وفتح باب الحوار لفهم أعمق للدين والحمد لله رب العالمين.
إن هذا المؤتمر ومثله كثير يعقد في عواصم غربية لموضوعات يربطها البعض وللأسف الشديد بالدين الإسلامي، ويجب التصدي لها ونشر المفاهيم الصحيحة التي تبين موقف الإسلام من مثل هذه القضايا. على سبيل المثال لا الحصر مثل: قضية الختان الفرعوني (كما تُسمى)، يربطها البعض بالدين الإسلامي زورًا وتنفق عليها الأموال وتعقد لها المؤتمرات. فمحاربة العادات السيئة التي تنتقص من مكانة كانت المرأة وكرامة الإنسان الذي كرمه ربه يجب أن تنطلق من المسلمين، دفاعًا عن الدين وتحملًا لأمانة التبليغ مهتدين بقول الحق سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (سورة الإسراء: الآية 70)
– عضو المجلس الأوروبي للقيادات المسلمة