تحقيقات وتقارير

“من السيل ما قتل”.. مأساة أسرة خرجت للتنزه على الشاطئ فجرفتهم المياه.. ومصير «الناجي الوحيد»

الباحة : “نريد أن نخرج للتنزه”، عبارة تكررت على مسامع الأب معيض مسفر الزهراني، من أبنائه طوال شهور الصيف، آخرها من “أوس” الابن المدلل والمحبب إلى قلب والده كونه “آخر العنقود”.

ظروف عمل “معيض” في مجال التعليم على مدار العقود الماضية، كانت تحول في بعض الأحيان بينه وبين تلبية رغبة أبنائه في قضاء الإجازات في التنزه، إلا أنه قرر أخيرا أن يلبي رغبة الأسرة في قضاء يوم على شاطئ بحر البرك، إلا أنه لم يكن يعلم ما يخبئ لهم القدر في رحلتهم الأخيرة.

حالة من السعادة سيطرت على أفراد الأسرة، بداية من الزوجة إيمان الزهراني، وابنته الكبرى ميرال الطالبة في الصف الثالث الثانوي، وأبنائه قصي بالصف السادس الابتدائي، وقيس بالصف الثاني الابتدائي، وأوس بالصف الأول الابتدائي، وهم يضعون حاجاتهم في السيارة ويجهز الأولاد الألعاب المطلوبة على الشاطئ، فيما تعد الأم والابنة الكبرى الطعام المحبب لتناوله على مدار اليوم.

بدأت الرحلة الأخيرة لأسرة معيض الزهراني، باتجاه محافظة البرك للتنزه وقضاء بعض الوقت على شاطئ بحر البرك، حيث تحركوا من محل الإقامة بمحافظة محايل عسير، وأثناء وصولهم لمركز سعيدة الصوالحة، كانت المفاجأة الحزينة بانتظارهم.

سيول غامرة، وشلالات من المياه تتدفق نحو سيارة أسرة معيض الزهراني، أثناء سيرهم على الطريق العام، حيث جرف السيل السيارة، وفرق أفراد الأسرة بين أمواج المياه المتلاطمة، لتكون البسمات ولحظات المرح آخر ما يجمعهم في الطريق لرحلة لم تكتمل.

شاحنة من نوع “دينا” يقودها أحد المقيمين من جنسية عربية، فوجئ بسيارة تتقاذفها أمواج المياه، ويخرج منها استغاثات خفيضة سرعان ما اختفت مع تدفق السيل، ليقرر سائق الشاحنة التحرك نحوها أملا في إنقاذ حياة من بداخلها، وهو ما تحقق بعد تمكنه من إخراج الطفل قصي، وإنقاذه بعد عناية الله، كما عثر على جثة الأم داخل السيارة بعد أن فارقت الحياة.

ومع هدوء تدفق السيول واستقرار الأوضاع، عثرت الأجهزة المعنية على جثامين “معيض” وأبنائه ميرال وقيس وأوس، في مواقع متفرقة بالوادي، بعد أن فارقوا الحياة قبل أن تبدأ نزهتهم على الشاطئ.

“كان معيض حريصا على راحة أسرته وتهيئة أجواء أسرية سعيدة لهم، عبر اصطحابهم للتنزه والترويح عن أنفسهم، للاستمتاع بما تشهده المنطقة الجنوبية من أجواء جاذبة للتنزه”، هكذا بدأ «خالد مطر الزهراني»، نجل عم الفقيد، حديثه لـ «مكة» الإلكترونية، الذي روى خلاله تفاصيل الحادثة الفاجعة التي تعرضت لها الأسرة، وكيفية استقبال العائلة لهذا النبأ المؤلم.

قال «خالد» وهو يحبس دموعه: “خبر غرق الأسرة نزل علينا كالصاعقة، لاسيما أنه ابن عمي ويعتبر أخي، حيث أخبرني أحد أبناء «الأطاولة» والذي كان يعمل في محافظة محايل عسير لسنوات طويلة، أنه تم الاتصال به من قبل شرطة سعيدة الصوالحة، وأخبروه بالحادث، وهو بدوره قام بإبلاغي، ثم قمت بإبلاغ أشقاء معيض بما جرى، وأنهم مفقودين ماعدا قصي على قيد الحياة”.

وأوضح أن الفقيد كان بشوشُا لطيفا هادئا، قريب من الجميع ويحب المزاح، خادما لأهله وأسرته وأقاربه، وكان حريص كل الحرص على زيارة والدته بالباحة بصفة شبة أسبوعية، وكانت والدته تعتمد عليه في شراء طلباتها الخاصة رغم وجود بقية إخوانه بجوارها، ولكنها كانت ترى أنه هو من يعرف أغراضها واحتياجاتها.

وحول طريقة إبلاغ الطفل “قصي” الناجي الوحيد من الحادث، بما جرى لأسرته، أشار خالد إلى أنه تم التنسيق مع أخصائي نفسي والتمهيد لذلك من جانبه، ثم إبلاغه لامتصاص الصدمة، إلا أنه كان يشعر أن أسرته تعرضت لمكروه.

وبشأن مصير الطفل الناجي بعد فقدان أسرته، قال: “خيروه أعمامه بأن له الحرية في اختيار المدينة والمكان الذي يرغب بالعيش فيه مع أعمامه أو أخواله، وكان اختياره أن يعيش مع جده وجدته لوالدته”.

وتابع “الزهراني”: “المجتمع السعودي بطبعه مجتمع مترابط، فكان التفاعل فوق ما نتوقع، حيث آلمه ما آلمنا وهي من الأشياء التي خففت علينا، حيث كانت الاتصالات من جميع أنحاء المملكة ممن نعرفهم أو من قرأ الخبر واتصل للتعزية والمواساة”.

وأشار إلى أنه من مفارقات القدر، أن الأسرة المكلومة كان لديها عاملة منزلية بقيت في المنزل لم ترافقهم في هذه الرحلة، ليكتب الله لها عمرًا جديدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com