“وفاتنة أنتِ مثل الرياض// ترق ملامحها في المطر”.. هكذا وصف الراحل الكبير د. غازي القصيبي حبيبته بأنها “فاتنة” مثل “الرياض” .. حاضرة المملكة وعاصمتها الزاهية التي تعانق المجد من كافة أطرافه على مدار التاريخ.
وتمثل الرياض قصة عشق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله-، والذي ظل أميراً لها لأكثر من نصف قرن، استطاع خلالها أن يحولها من مدينة تقليدية بسيطة إلى واحدة من أعظم وأرقى المدن على كافة المستويات.
وقد ورث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – أيده الله- عشق الرياض من والده العظيم، ليبدأ فصلاً تاريخياً جديداً في عمر العاصمة المزدهرة لكي تكون واحدة من أعظم عشر مدن في العالم مع “رؤية المملكة 2030” الفذة.
وبلا أدنى مبالغة، كلما قمت بزيارة الرياض خلال السنوات الأخيرة، أجد في كل مرة جديداً يثير العقل والقلب معاً في ملحمة تطور مذهل على كافة الأصعدة، بما يشكل – حضرياً وعمرانياً- نموذجاً فريداً لمدينة عالمية كبرى.
ولنبدأ قصة التطور المذهل للرياض مع “رؤية 2030” ومبدعها:
في جلسة بعنوان “مستقبل الرياض” خلال فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار في مايو 2021م، قال سمو ولي العهد: “بلا شك الاقتصاديات العالمية ليست قائمة على الدول، بل هي قائمة على المدن”، وأضاف سموه: “نستهدف أن تكون الرياض من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم. اليوم.. هي رقم أربعين، من أكبر أربعين اقتصادًا في العالم كمدينة. نستهدف في الرياض أن نصل من 7.5 مليون نسمة إلى ما بين 15 و20 مليون نسمة في2030م”.
بهذه الرؤية، وبهذه الروح الوثّابة، تنطلق المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين- حفظهما الله- لوضع الرياض في مكانتها اللائقة بين مدن وعواصم العالم الكبرى، ولذا شهدت الرياض- وما زالت تشهد- العديد من المشاريع العملاقة التي يُشار إليها بالبنان.
في التاسع عشر من مارس 2019م، أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مشاريع الرياض الأربعة الكبرى، بمبادرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بهدف المساهمة في تقديم خيارات متنوعة رياضيًّا، وثقافيًّا، وفنيًّا، وترفيهيًّا لسكان مدينة الرياض وزوَّارها، والمساهمة في تحسين جودة الحياة في المدينة بما يتوافق مع أهداف “رؤية 2030” لمجتمع حيوي وصحّي، ورفع تصنيف الرياض عالميًّا.
وضمت قائمة المشاريع الأربعة الكبرى: “حديقة الملك سلمان” المقامة على مساحة تتجاوز 16 كيلو مترًا مربعًا، لتصبح أكبر حدائق المدن في العالم، إذ تقدم مجموعة واسعة من الخيارات، والأنشطة النوعية لسكان المدينة، وزائريها، حيث تضم مناطق خضراء ممتدة، وأكثر من مليون شجرة، وساحات مفتوحة تزيد مساحتها عن 11.6 كيلو متر مربع، إضافةً إلى المجمع الملكي للفنون، والمسرح الوطني، ومسار دائري للمشاة بطول 7.2 كيلو متر، إضافةً إلى منطقة “الوادي”، التي تتوسط الحديقة، ومجموعة من العناصر المائية، والمعالم، والأيقونات الفنية، كما تُسهم الحديقة بقوة في زيادة الغطاء النباتي في المنطقة، ورفع مُعدّل نصيب الفرد من المساحات الخضراء ممّا ينعكس بشكل مُباشر، وإيجابي على جودة البيئة، والمناخ.
فيما يُعد “مشروع الرياض الخضراء” واحدًا من أكثر مشاريع التشجير طموحًا في العالم، إذ يسهم في رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء في المدينة، وزيادة نسبة المساحات الخضراء الإجمالية فيها من خلال نشر، وتكثيف التشجير في كافة أرجاء المدينة، مع تحقيق الاستغلال الأمثل للمياه المعالجة في أعمال الري، بما يساهم في تحسين جودة الهواء، وخفض درجات الحرارة، وتشجيع السكان على ممارسة نمط حياة أكثر نشاطًا، وحيوية بما ينسجم مع أهداف، وتوجهات “رؤية 2030”.
أما “مشروع الرياض آرت”، فيُعد أحد أكبر مشاريع فن الأماكن العامة على مستوى العالم، إذ يشتمل على تنفيذ أكثر من 1000 عمل، ومَعْلَم فني من إبداع فنانين محليين، وعالميين، وعرضها أمام الجمهور في مختلف أرجاء مدينة الرياض، وذلك ضمن 10 برامج تغطي الأحياء السكنية، الحدائق، والمتنزهات الطبيعية، الميادين، والساحات العامة، ومحطات النقل العام، وجسور الطرق، وجسور المشاة، ومداخل المدينة، وكافة الوجهات السياحية في المدينة. ويُسهم هذا المشروع في تحويل مدينة الرياض إلى معرض فني مفتوح يمزج بين الأصالة، والمعاصرة، وإطلاق آفاق جديدة للحركة الإبداعية المحلية، والعالمية في المدينة، وجذب الفنانين، والمختصين، والمهتمين إليها من كافة أرجاء العالم، فضلاً عن دور المشروع في تعزيز القيم المجتمعية، والتفاعل الحضاري، والتبادل المعرفي، والتعاون الإبداعي، وتحفيز الحركة السياحية، والترفيهية.
بينما يُسهم “مشروع المسار الرياضي” في رفع تصنيف مدينة الرياض بين نظيراتها من مدن العالم؛ حيث يشجع السكان على اتباع أنماط صحية في التنقل، ويحفزهم على ممارسة الرياضات المختلفة. ويمتد المشروع بطول 135 كيلو مترًا، ويربط بين وادي حنيفة في غرب المدينة، ووادي السلي في شرقها، ويشتمل على مسارات آمنة، ومشجرة للمشاة على طول امتداد المشروع، ومسارات مخصصة للدراجات الهوائية للمحترفين والهواة، ومسارات للخيول، ومجموعة من المواقع الرياضية من بينها برج رياضي يضم ملاعب لمختلف الرياضات، والألعاب الداخلية، وإسطبلات، ومسارات لركوب الخيل.
وإضافةً إلى المشاريع الأربعة الكبرى المذكورة سابقًا، استمرت عجلة المشاريع العملاقة بالرياض، ومنها ما أعلنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 28 من نوفمبر 2022م، بإطلاق المخطط العام لمطار الملك سلمان الدولي؛ لتكون الرياض بوابةً للعالم، ووجهةً عالميةً للنقل، والتجارة، والسياحة، وجسرًا يربط الشرق، والغرب بما يرسخ مكانة المملكة مركزًا لوجستيًّا عالميًّا، إذ يسهم المطار الجديد في دعم خطط المملكة؛ لتكون مدينة الرياض ضمن أكبر 10 اقتصادات مدن في العالم، ولمواكبة النمو المستمر في عدد سكان العاصمة الرياض الذي يستهدف الوصول إلى ما يتراوح بين 15 و20 مليون نسمة بحلول عام 2030م.
وسيكون المطار واحدًا من أكبر المطارات في العالم، حيث سيمتد على مساحة تقارب 57 كيلو مترًا مربعًا، كما سيشمل: الصالات الحالية تحت مسمى صالات الملك خالد، و6 مدارج طيران، إضافةً إلى 12 كيلو مترًا مربعًا من المرافق المساندة، والأصول السكنية، والترفيهية، والمحلات التجارية، والعديد من المرافق اللوجستية. كذلك، سيعمل المطار على رفع الطاقة الاستيعابية؛ لتصل إلى 120 مليون مسافر بحلول عام 2030م، كما يستهدف الوصول إلى 185 مليون مسافر، ومرور ما يصل إلى 3.5 مليون طن من البضائع بحلول عام 2050م.
وقد استمرت عجلة المشاريع العملاقة بالرياض، بإعلان سمو ولي العهد في الرابع عشر من مايو 2023م بإطلاق مسمى “حي الملك سلمان” على حيّي: “الواحة”، و”صلاح الدين” وتطويرهما، وذلك بهدف أنسنة الحي بمسماه الجديد، ورفع معدلات جودة الخدمات الأساسية، والأنشطة الترفيهية، والترويحية، وتطويره، وخلق هوية عمرانية، ومعمارية للمرافق العامة في الحي منبثقة من العمارة السلمانية، ومبادئها، وذلك امتدادًا لحرص سموه الكبير، ودعمه لتنمية المدن، وتحقيقًا لتحفيز النمو السكاني، والاقتصادي.
ويقع “حي الملك سلمان” في قلب العاصمة الرياض بمساحة 6.6 كيلو متر بجوار حديقة الملك سلمان، ويُعد تطويره رافدًا لمستهدفات “رؤية المملكة 2030″، حيث يعمل المشروع على تحقيق عدد من الأهداف منها: رفع معدلات جودة الخدمات الأساسية، والأنشطة الترفيهية، والترويحية، وتعزيز الاستدامة الشاملة في الحي لرفع معدلات جودة الحياة، وإيجاد بيئة عمرانية تفاعلية تعزز العلاقات الاجتماعية بين السكان.
أما “مشروع القدية”، فهو أحد المشاريع الكبرى لصندوق الاستثمارات العامة، وتقوم به شركة القدية للاستثمار، وهدفه أن تكون “القدية” عاصمة الترفيه والرياضة والثقافة في المملكة، وأن تصبح وجهة عالمية مميزة بفضل تنوع، وابتكار التجارب الترفيهية المقدمة فيها. وتمتد القدية على مساحة تبلغ 376 كيلومترًا مربعًا، وتسعى إلى دفع الاقتصاد الوطني من خلال جذب الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة، كما تسعى أيضًا إلى توفير مسارات مهنية مبتكرة للشباب في المملكة، مما يسهم في تحسين جودة حياتهم، وتطوير المجتمع.
ومن ناحية أخرى، يهدف “مشروع روشن”، والذي تنفذه شركة روشن العقارية (المطور العقاري الوطني)، إلى تحويل أسلوب الحياة في المملكة العربية السعودية من خلال بناء مجتمعات مستدامة، ومتكاملة، وتوفير أسلوب حياة عصري مع مرافق متكاملة تشمل الحدائق، والممرات الخضراء، والمرافق الترفيهية، والتعليمية. وتسعى “روشن” أيضًا إلى تحقيق “رؤية 2030” برفع نسبة تملك الأسر إلى 70% بحلول عام 2030م، مما يعكس التزامها بتعزيز جودة الحياة، وتوفير بيئة ملائمة للمواطنين في المملكة.
فيما يهدف “مشروع المربع الجديد” إلى إنشاء أكبر وأحدث “داون تاون” في العالم؛ ليحدّث نهضةً جديدةً على ملامح مدينة الرياض.. ويعتبر المربع مزيجًا استثنائيًّا من التكنولوجيا، والثقافة، والاستدامة، يتجسد في بيئة فريدة تتيح للفرد العيش، والعمل بكفاءة، ويُعيد تعريف، ورسم ملامح المدينة من خلال تمتّعه بمساحة واسعة تبلغ 19 كيلو مترًا، كما يضم مجموعة متنوعة من الوحدات السكنية، والفنادق، والمساحات التجارية، والترفيهية. أما برج المكعب.. المحور الرئيسي للمشروع.. فيمثل تحفة معمارية فريدة، واستثنائية تقدم مجموعة واسعة من الخيارات التجارية، والثقافية، والسياحية، إذ يهدف المشروع إلى إعادة تعريف التنمية الحضرية في المملكة، وتحقيق نقلة نوعية في الراحة، والمرونة.
إلى ذلك، أعلن سمو ولي العهد، في الثاني عشر من مارس 2023م، عن تأسيس صندوق الاستثمارات العامة لشركة “طيران الرياض”، الناقل الجوي الوطني الجديد، للمساهمة في تطوير قطاع النقل الجوي، وتعزيزًا لموقع المملكة الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث من أهم قارات العالم: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، والعمل على رفع القدرة التنافسية للشركات الوطنية وفق مستهدفات “رؤية 2030”. وتتخذ الشركة من العاصمة الرياض مركزًا رئيسًا لإدارة عملياتها التشغيلية، ومنطلقًا لرحلاتها، عبر امتلاك أسطول طائرات متطورة، تستهدف من خلاله تطبيق أفضل ممارسات الاستدامة، والسلامة عالميًّا، والمعتمدة في مجال الطيران، إلى جانب توفير أحدث التقنيات الرقمية للريادة في هذا المجال.
أما “موسم الرياض”، والذي انطلق في عام 2019م، فهو مهرجان ترفيهي عالمي جعل من الرياض وجهة ترفيهية سياحية عالمية، وذلك وفقاً لأهداف “برنامج جودة الحياة “أحد برامج “رؤية المملكة 2030″، والذي يرتاده ما لا يقل عن (15) زائر، علماً بأن حفل افتتاح موسم الرياض 2022م قد دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكثر حفل تُطلق فيه الألعاب النارية من طائرات بدون طيار. ويقيم الموسم كل عام مجموعة منتقاة من الفعاليات الفنية، والرياضية، والترفيهية ذات المستوى العالمي.
وتحتضن فعاليات موسم الرياض نحو (12) منطقة مميزة تبهر الزوار، وهي: بوليفارد وورلد- بوليفارد سيتي- المملكة أرينا (بوليفارد هول)- رملة تيرازا- فيا رياض- وندر جاردن (الحديقة العجيبة)- مهرجان الفود تركس (عربات الطعام)- حديقة حيوان الرياض- روشن فرونت (واجهة روشن)- ذا قروفز- سوق الأولين- حديقة السويدي.
وأخيرًا.. ما سبق نماذج لمشاريع الرياض العملاقة، وما زال في الجعبة الكثير.
– رئيس تحرير مجلة “مملكة الاقتصاد والأعمال”