المقالات

صدأ القلوب

الإنسان كائنٌ ملول؛ فما يكاد يبتهج بما حصل عليه حتى يزهد فيه ويمله ويبحث عن سواه؛ فهو في تفاعلٍ دائم وفي تقلُّبٍ مستمر، وهذا سرُّ نموه وتطوره كما أنه سبب قلقه وفتور مودته وتبدُّل علاقاته.
هذا الصدأ المتكرر الذي يعتري الذات، وقد اعتاد الناس بأن يطلقوا عليها (صدأ القلوب) إن هذا الملل هو الذي يدفع الإنسان إلى أن لا يرضى بواقع، وأن لا يكتفي بما هو حاصل، وإنما هو في شوق دائم نحو المزيد والمزيد وإلى ما لا نهاية: (ولا يملأ نفْس ابن آدم إلا التراب)، إنها خاصية إيجابية وسلبية معًا؛ فهي تدفع إلى النمو والتطور لكنها تنغص الحياة وتُربك العلاقات فيصاب الحب والصداقة ومختلف العلاقات بالصدأ والفتور؛ فيتوهم الفرد بوجود تغيُّر في الطرف الآخر وليس الأمر كذلك بل يعود هذا الفتور إلى الطبيعة البشرية؛ فقابليات الإنسان مفطورة على الملل والبحث عن المختلف.
يتحدث الكاتب الفرنسي فريدريك بيجيديه عن (روعة البدايات) ثم (يبدأ العد التنازلي) هكذا هو قلب الإنسان، إنه في حالة ارتحال دائم.
لذلك تقول المبدعة الفرنسية فرانسواز ساغان: (نحن نحب ثم نكفُّ عن الحب) أما الروائي سكوت فيتزجيرالد فيؤكد: (سلطة الفشل) فطبيعة الإنسان تدفعه إلى الركض الدائم؛ حيث لا نهاية لمشوار الركض.
أستاذ الفلسفة المصري “زكريا إبراهيم” تناول في أحد كتبه (مشكلة الحب)؛ فقد تناول ظاهرة الحب باعتبارها مشكلة فلسفية تستحق التحليل.
أما عالم النفس الشهير “إريك فروم”؛ فقد عالج ظواهر الحياة النفسية وظواهر العلاقات بين البشر في كتابه (فن الوجود)، وفي عدد من مؤلفاته بل إن كل كتبه تستهدف مساعدة الناس على التدبُّر الحكيم لعلاقاتهم لكنه يعتبر تحقيق الحكمة في الحياة، وبلوغ النضج في العلاقات مهمة بعيدة المنال، وتتطلب إدراكًا منفتحًا ووعيًا عميقًا ومرونة ذهنية تتيح للفرد أن يقطع رحلة الحياة بتخطي العقبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى