تعد خدمة الفتوى في الحرمين الشريفين ركيزة أساس من ركائز الحرمين وخدمة إنسانية سامية تهدف إلى إرشاد المسلمين وتوجيههم نحو أداء عباداتهم، وقد شهدت هذه الخدمة تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة؛ وذلك بفضل الرؤية الثاقبة لقيادة المملكة العربية السعودية التي تسعى جاهدةً إلى تطوير منظومة الفتوى لتلبية احتياجات المسلمين، وتقديم أفضل الخدمات لهم.
وتأتي أهمية منظومة الفتوى في الحرمين الشريفين في كونها تعزز مكانة الحرمين كمركز إشعاع ديني وعلمي، وتضمن تقديم فتاوى صحيحة مبنية على الأدلة الشرعية، وتلبية احتياجات المستفتين من مختلف الجنسيات والثقافات، ونشر الوعي الديني الصحيح، وتعزيز التماسك الاجتماعي، فضلًا عن إرساء الإسلام الحق وقيمه المثلى من قلب الحرمين الشريفين عالميًّا.
وفي هذا السياق، عقدت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي بالشراكة مع هيئة كبار العلماء ندوة “الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما” بنسختها الثانية في رحاب المسجد النبوي الشريف، التي شهدت مشاركة نخبة من أعضاء هيئة كبار العلماء والمختصين في الدراسات الإسلامية وطلاب العلم الشرعي، لإلقاء الضوء على أهمية الفتوى في الحرمين الشريفين ومنزلتها وأثر التيسير فيها على القاصدين، وتوضيح منهجيتها وضوابطها، وضرورة تأصيلها وسبل تطوير منظومة الفتوى في ضوء مستجداتها الاتصالية في العصر الرقمي ودور التقنية في تعزيزها، وكثافة أعداد ضيوف الحرمين الشريفين، وقد خرجت الندوة بتوصيات قيَّمة تغطي جوانب مختلفة من عملية الفتوى، كما سلطت الضوء على أهمية تعزيز الاتصال المستدام في الحرمين الشريفين بهدف تحقيق غايات شرعية وثقافية وتوعوية، وأوضحت التوصيات دور الاتصال الفعّال في نشر رسالة الإسلام الصحيحة وضبط الفتوى وتوجيه قاصدي الحرمين نحو السلوك الصحيح، بدءًا من تحديد الدور الريادي للحرمين الشريفين في الفتوى، وصولًا إلى تطوير البنية التحتية والتقنية اللازمة لتقديم هذه الخدمة، ذلك لأن استخدام تقنيات ومهارات الاتصال في التثقيف والتوعية تيسر على قاصدي الحرمين أدائهم لمناسكهم وتعطيهم معلومات استباقية تقلل من نسبة حدوث أية أخطاء خلال أداء المناسك، وتدفع عنهم المشقة التى قد يتعرضون لها.
وشملت هذه التوصيات: “إبراز رسالة الحرمين الشريفين في بيان المنهج الصحيح في الفتوى”، وتعزيز دورها ومكانتها ومنزلتها في نفوس المسلمين، هذه التوصية تركز على دور الاتصال في توجيه الرسائل الدينية والوطنية لتعزيز مكانة الحرمين الشريفين من خلال إبراز المنهج الصحيح في الفتوى والتواصل مع جمهور المسلمين بشكلٍ فعالٍ، مع مراعاة اختلافاتهم الثقافية، لضمان وحدة الرسالة الدينية وتحقيق التفاهم المشترك، وضمان فهمهم للقيم والتوجيهات الدينية، مما يعزز الثقة في المصدر ويزيد من تأثير الرسالة.
“المحافظة على سلامة أفكار المجتمع” لا سيما من قاصدي الحرمين الشريفين بالفتاوى الصحيحة، وهنا تبرز الوظيفة الاتصالية في حماية الأفكار من الانحرافات من خلال نشر الفتاوى الصحيحة، لتحقيق السلامة الفكرية من خلال نقل القيم الصحيحة ودحض الأفكار المتطرفة.
“بيان الأحكام الشرعية ونشر المعرفة الدينية” مما يمكن تحقيقه بالتمكين المعلوماتي والتثقيف وهما إحدى أهم وظائف الاتصال والإعلام في خدمة المجتمع من خلال الحملات الإعلامية والبرامج التوعوية المتخصصة وإنتاج محتوى رقمي جذاب، ونشره عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ لتسهيل الوصول إلى المعلومات الصحيحة وتبسيطها مما يسهم في نشر المعرفة، ويجعل من الاتصال وسيلة لتمكين المجتمع من فهم دينه بطريقة صحيحة وموثوقة.
“تعزيز دور المسجد النبوي لإظهار أثر السماحة النبوية في الفتوى” هذه العملية تتطلب استخدام إستراتيجيات اتصال مؤثرة تستند إلى الحكمة والاعتدال، و”ربط الفتاوى بالأدلة الشرعية” الاتصال هنا يعتمد على تقديم الفتاوى المستندة إلى الأدلة الشرعية المتفق عليها، مما يُعزز مصداقية الرسائل الدينية ويضمن قبولها لدى الجمهور.
“تطوير البنية التحتية التقنية”: تؤكد التوصية على ضرورة استخدام التقنيات الحديثة في الاتصال لضمان وصول الفتوى للجمهور بطرق سريعة وفعالة، ويمكن ذلك من خلال إتاحة خدمات الفتوى عبر منصات إلكترونية وتطبيقات ذكية؛ مما يسهل على المستفتين الوصول إلى الإجابات الشافية عن أسئلتهم في أي وقت ومن أي مكان.
“تطوير مهارات المشاركين في برنامج إجابة السائلين”: من خلال إعداد وتأهيل كوادر بشرية مؤهلة علميًا وعمليًا لتقديم خدمات الفتوى، وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتواصل الفعال مع المستفتين بإقامة دورات تدريبية متخصصة، لتنمية مهارات الاستماع الفعّال والتعبير الشفوي والكتابي وتطوير لغة الجسد، وأيضًا التدريب على استخدام التقنيات الحديثة في تقديم الخدمات الإفتائية، مثل: المنصات الإلكترونية والتطبيقات الذكية، وإدارة المحتوى الرقمي الخاص بالفتوى، وتحديثه بشكل مستمر.
“توحيد الرأي الفقهي” من خلال العمل على توحيد الرأي الفقهي في المسائل التي يكثر السؤال عنها، وهو ما يعرف بالاتساق في الاتصال مما يسهم في تقديم رسائل دينية متسقة وغير متناقضة، ويضمن وضوح الرؤية وتجنب الاختلافات.
“نشر الوعي الديني”: من خلال تنظيم حملات توعوية وإعلامية لشرح أهمية الفتوى وأثرها في حياة المسلم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، و”التواصل الفعال مع المستفتين”: من خلال توفير قنوات اتصال متعددة ومتاحة للجميع، وتبسيط اللغة الفقهية المستخدمة في الإجابات، و”إعداد موسوعة علمية” تكون معلمة جامعة لفتوى قاصدي الحرمين الشريفين، باللغات المختلفة مما يعزز من الاتصال المستمر والمستدام مع الزوار، ويوفر لهم مصدرًا موثوقًا للمعلومات الدينية.
“الاعتناء بإرشاد القاصرات” مما يندرج تحت الاتصال الموجه؛ حيث تهتم التوصية بتقديم دعم اتصالي مخصص لفئة معينة من الجمهور، مما يفيد التفاعل مع هذه الفئة ويوفر لها المعلومات والإرشادات اللازمة بطريقة تلائم احتياجاتها.
ومن منظور اتصالي، يمكن تفسير هذه التوصيات كجزء من إستراتيجية شاملة لتحسين وتطوير نظام الاتصال الديني في الحرمين الشريفين من خلال توجيه الفتاوى والإرشادات الدينية ومهارات اتصالية تواكب العصر والتطورات التقنية، مع الحفاظ على المبادئ الدينية والقيم الإسلامية.
كما تأتي هذه التوصيات في إطار رؤية المملكة 2030 في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، التي تهدف إلى جعل الحرمين الشريفين قبلة للعالم الإسلامي، وتقديم أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين وإثراء تجربتهم الدينية وترسيخ منطلقات الأصل الديني الوسطي، وتكريس قيم التسامح والاعتدال، وهي تعكس إدراكًا عميقًا لأهمية الاتصال في إيصال الرسالة الدينية بشكل فعال كما أنها تتسق مع الجهود المبذولة لتطوير الخدمات الإلكترونية وتسخير التكنولوجيا الحديثة في خدمة الحرمين الشريفين.
– الممثل الإعلامي للمملكة في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب