“فخ ثيوسيديد” يُقصَد به مقولةٌ في فلسفة التاريخ للفيلسوف اليوناني “ثيوسيديد” الذي يرى حتمية الحرب كلما نشأت قوة دولية صاعدة مقابل قوة دولية مهيمنة.
لذلك يكرر الباحثون هذه الأيام الحديث عن بروز هذا الفخ؛ فالنموذج الصاعد هو الصين بنموها المتسارع والشامل والمذهل، وأما القوة المهيمنة فهي الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها العسكرية الهائلة وهيمنتها السياسية الضاغطة واقتصادها القوي العظيم.
لكن من يتأمَّل الأوضاع بعناية يجد أننا أمام دولتين تسيران في اتجاهين مختلفين بشكل جذري؛ فأمريكا تقود اقتصادها وتنميتها الشركات ورجال الأعمال، ويحقق لها عباقرة التقنية الأفراد هذا النمو الشامل؛ فالساسة الأمريكيون ليسوا مشغولين بالتنمية والاقتصاد، وإنما مشغولون بإبقاء أمريكا مهيمنة، فما إنْ أظهرت روسيا شيئًا من الفاعلية حتى أُشعِلتْ ضدها حربًا منهِكة من أجل استنزافها وتركيعها.
وهي تتحرش بالصين لكن الصين لا تستثار فرغم قوتها العظيمة؛ فقد انتظرت لاستعادة هونج كونج من بريطانيا حتى انتهت مدة العقد المبرم بشأنها، ولم تحاول استردادها بالقوة فالسياسيون الصينيون يتحركون بعقلانية لأنهم مستغرقون في الهموم التنموية؛ فهم الذين يخططون للاقتصاد وهم الذين يقودون التنمية بكل التفاصيل، فهم مشغولون بالاقتصاد ومستغرقون في التنمية بعكس ساسة أمريكا المتفرغين للسياسة وألاعيبها.
أمريكا لا تفكر إلا بمنطق القوة وتركز على بقائها الدولة العظمى الأولى التي لا تنازَع على القيادة العالمية وترصد للحرب ميزانية سنوية تعادل ميزانيات قارة بأجمعها، وهي ميزانية كافية للقضاء على الفقر والمجاعات في كل العالم أما الصين فلا تفكر إلا بالاقتصاد وبالهيمنة الاقتصادية، إنها لا تُعِد للبدء في أي حرب لكنها تعد العدة للدفاع عن النفس ضد التوحش الغربي.
يوجد كتاب مترجم لـ”غراهام أليسون” يتحدث عن احتمالات المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين بعنوان: (حتمية الحرب)، وقد حاول المؤلف تطبيق “فلسفة ثيوسيديد” وتتبع التاريخ الإنساني فوجد أن (١٢) حالة من المواجهات بين قوة صاعدة وقوة مهيمنة قد انتهت فعلًا بالحرب، ولم يجد سوى (٤) حالات انتهت المواجهة بالانفراج والتسوية.
0