المقالات

المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية

قبل أقلّ من عامين وتحديدًا في27 ربيع الأول (1444) هـ الموافق 23 أكتوبر (2022)م أطلق سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصاديّة والتنمية، المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالميّة التي تستهدف تعزيز موقع المملكة كمركزٍ رئيسٍ وحلقة وصلٍ حيويّةٍ في سلاسل الإمداد العالميّة. وأكّد سموه أنّ هذه المبادرة ستكون فرصة كبيرة لتحقيق نجاحاتٍ جديدة على صعيد الاقتصاد الوطنيّ، فهي من جهة ستُسهم مع غيرها من المبادرات التنمويّة -التي تمّ إطلاقها- في جذب وتمكين المُستثمرين- في مختلف القطاعات – من الاستفادة من موارد المملكة العربيّة السعوديّة وقدراتها لدعم وتنمية هذه السلاسل، وبناء استثماراتٍ ناجحة، الأمر الذي سيُعطي مرونة أكبر للاقتصادات والمستهلكين في جميع أنحاء العالم، ويضمن توفير واستدامة وصول سلاسل الإمداد لكلّ أنحاء العالم بفاعليّة وبمزايا تنافسيّة عالية.
ولا يخفى على المتخصّصين في الاقتصاد أهميّة هذه الخطوة للاقتصاد الوطنيّ؛ حيث إنّ سلاسل التوريد العالميّة نظام عالميّ تقوم الشركات باستخدامه لإنتاج المنتجات أو الخدمات، والتي تتضمّن العديد من الجوانب المتزامنة. بحيث تساعد الشركات على أن تبقى متوافقة مع اللوائح المختلفة. ماذا يعني هذا الأمر على المستوى الوطني تحديدًا؟ لا شك أنّه سوف يُسهم في تمكين المملكة العربيّة السعوديّة من تحقيق طموحات وتطلعات رؤية (2030)، التي تشمل تنمية وتنويع موارد الاقتصاد الوطنيّ، وتعزيز مكانتها الاقتصاديّة لتصبح ضمن أكبر (15) اقتصاداً عالميّاً بحلول عام (2030)م. كما يأتي في إطار سعي المملكة الدائم للإسهام في تعزيز استقرار ونموّ الاقتصاد العالميّ.
إنّ اقتصاد المملكة العربيّة السعوديّة القويّ والمتنامي، والذي يُعدّ الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، وأحد أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، وأسرعها نموّاً. إضافة لموقع المملكة الجغرافيّ الاستراتيجيّ، في قلب ثلاث قارات، وتوفُّر مصادر الطاقة كالزيت والغاز والكهرباء، ومصادر الطاقة المتجدّدة، والموادّ الخام الأساس مثل البتروكيميائيات، والمعادن، إضافة إلى المستوى التنافسيّ لمستويات مقوّمات الإنتاج الرئيسة مثل؛ الكهرباء، والغاز الطبيعي، والعمالة. إضافةً إلى توفّر كلّ من: البنية التحتيّة الممتازة من الخدمات العامّة كشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، والبنية التحتيّة المتكاملة عالية الكفاءة في مجال النقل والخدمات اللوجستية، التي تشمل منظومة من المدن الصناعيّة، والمناطق الاقتصاديّة شرقًا وغربًا في جميع أنحاء المملكة، إضافة لشبكة من المطارات والموانئ، مع خطط طموحة لتوسعتها، كلّها عوامل كفيلة بجعلها مركز استثمارات عالمية.
الجدير بالذكر إنّ جذب المقرّات الإقليميّة للشركات العالميّة إلى المملكة، قد بدأ بالفعل؛ فالعديد من الشركات العالميّة لديها قناعة أن الاقتصاد السعوديّ قويّ ولديه العديد من المشاريع الكبرى والمحفّزات حيث يمتلك السيولة والقدرة الشرائيّة والمحفّزات الضريبيّة. وقد أكدت مصادر أنّ ما يقرب من (127) شركة عالميّة نقلت مقارّها الإقليميّة إلى السعوديّة خلال الربع الأوّل من العام الجاري، لتسجّل قفزة بنسبة 477% مقارنة مع الفترة من العام نفسه. وتتنوع منتجات هذه الشركات وأنشطتها بين: الصناعات الدوائيّة، وخدمات الأعمال، وأنظمة الحماية والأمان، وخدمات النفط، والأغذية والمشروبات، الإنشاءات والهندسة، الأجهزة الطبيّة، والبرمجيات حاضنة أعمال تكنولوجيا المعلومات، وكلّ فرع من فروع الصناعة والتجارة، وهي مجموعات عالميّة وكيانات اقتصاديّة كبرى تنوّعت من مختلف دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
وستعزّز مبادرة سلاسل الإمداد العالميّة على المستوى الوطنيّ فرصًا وظيفيّة كبيرة جداً في كلّ قطاع من قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات لكلا الجنسين حيث تلاشت كلّ الفروق في توظيف خريجيّ الجامعات والمؤهلين، وأصبح المعيار الأهمّ والأولى هو الكفاءة والقدرة. أمّا على المستوى الإقليميّ، ومن خلال هذه المبادرة فستقدّم المملكة للمنطقة- بحكم الموقع الجغرافيّ- تسهيلات مهمّة في عمليّة النقل والتجارة ستعود بالنفع على كافّة دول الجوار. وأما على المستوى الدولي فسوف تظهر المملكة كقوة اقتصاديّة استثماريّة لا يستهان بها، وكمحرك اقتصاديّ عالميّ.
خلاصة القول إنّ المملكة اليوم تقف في موقف قويّ اقتصاديًّا يتطلّب المثابرة في تنفيذ المبادرات الشجاعة والهادفة لمنفعة اقتصادها أولًا وتعزيز كونها محركًا أساسيًا في سيادة الاقتصاد العالميّ؛ لوجود مزايا تنافسيّة وموقع جغرافيّ متميّز في قلب آسيا حيث تربط بين الصين والهند من جهة، وأفريقيا وأوروبا من خلال البحر الأحمر من جهة أخرى. ولا شك أنّ هذا الموقع الجغرافيّ المتميّز سوف يُعزّز فرص جذب الاستثمارات الأجنبيّة من شركات العالم الكبرى، لذلك أتت أهمية مبادرة سلاسل الإمداد العالميّة التي سوف تفتح آفاقًا كبيرة لاستقطاب المزيد من خريجي تخصّصات متنوعة في الهندسة والصناعة والتجارة والأعمال. وسوف تمضي هذه البلاد المباركة مع قيادة رشيدة تخطّط وتنفّذ برؤى استشترافيّة وبهمّة مثل جبل طويق لن تنكسر بمشيئة الله.

– جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

أ.د. أماني خلف الغامدي

جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى