المقالات

هل يمكننا تأجيل شهر رمضان؟!

العمل في بريطانيا يواجه فيه الإنسان أشياء نادرة يصعب تخيلها. ففي شهر نوفمبر عام 2015 وقبل الامتحانات العامة في بريطانيا تلقيت رسالة مهمة من اللجنة العُليا للتعليم في منطقة هارو بمدينة لندن. مضمون الرسالة يتلخص في ثلاثة أسئلة مهمة:
١. ‏هل يجب على الطلاب أن يصوموا شهر رمضان أثناء الامتحانات أو هناك استثناء للطلاب الممتحنين؟
٢. ‏هل يمكن تأجيل صيام شهر رمضان إلى ما بعد الامتحانات؟
٣. ‏ما هي النصائح التي توجه لأولياء الأمور والأطفال حتى لا يتعرضوا للضغوط النفسية والجسدية بسبب الصيام؟

‏حمل الرسالة إليَّ نيابة عن اللجنة عضو المجلس البلدي لمنطقة هارو المتميز الأستاذ غضنفر علي (تم انتخابه عمدة فيما بعد، وهو لذلك أهل). وأتقدم بجزيل الشكر لهذه الشخصية المتميزة فهو بريطاني من أصول باكستانية، متمسك بدينه ورجل منتج ونافع ونموذج للاعتدال والخدمة.
‏تقدمت أولًا بالشكر للجنة العليا للتعليم في المنطقة ‏لاهتمامهم بالطلاب المسلمين في المنطقة ‏وأدائهم الأكاديمي، وأشكرهم كذلك للرجوع إلى العلماء المسلمين لمحاولة إيجاد حلول لا تعيق الطلاب وتحافظ على أدائهم شعائرهم الدينية. ‏وتناولت الإجابة على الأسئلة قلت: إن الله جل في علاه أوجب الصيام على كل البالغين ‏حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة البقرة الآية 183). فقد فرض الله تعالى الصيام على كل مُسلم بالغ عاقل قادر على صيام شهر رمضان. ‏والحق جل في علاه ‏رخص تأخير الصيام للمريض والمسافر، وهذا لا يشمل الطلاب الذين يؤدون الامتحان، ما لم يكن الطالب مريضًا، أو سافر لأداء الامتحان إلى بلد آخر.
‏وأما بالنسبة للسؤال الثاني ‏عن تأجيل وتأخير الصيام؛ فقد فرض الله صيام هذا الشهر بالذات. قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (سورة البقرة الآية 185). فالوقت في الإسلام يحتل مكانة مهمة، فأداء الصلوات في أوقات محددة، قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) (سورة النساء الآية 103)، ‏وكذلك الحج، (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (سورة البقرة الآية 197)، والوقوف في عرفة يكون في يوم محدد، لذا يجد الإنسان أن مكة المكرمة والمشاعر تكون أقل ازدحامًا في غير أشهر الحج. ولأهمية الوقت أقسم ربنا سبحانه وتعالى بالوقت في القرآن في أكثر من آية، أقسم بالفجر والعصر والضحى والليل والنهار، والعظيم سبحانه لا يقسم إلا بعظيم.
‏فلا يمكننا تغيير وقت الصيام ولا تأجيله. ‏ فعليه يجب على الطلاب أن يصوموا شهر رمضان مستعينين بالله، إلا من كان له عُذر شرعي كما ذكرنا أعلاه. أما بالنسبة للسؤال الثالث وهي النصائح التي يراد منا توجيهها، فأقول:
١. ‏نشر الوعي لدى دوائر اتخاذ القرار بأوقات العبادات المخصصة للمسلمين، وعليه تجنب الامتحان خلال شهر رمضان. وهذا الأمر يجب العمل من أجله في المستقبل البعيد.
٢. ‏نظرًا لتحديد وقت الامتحان في شهر رمضان هذا العام، يجب على المعلمين وأولياء الأمور الاجتهاد من الآن لحث الطلاب على المذاكرة والمراجعة حتى يسهل عليهم عند الامتحان بإذن الله.
٣. ‏يجب تشجيع الطلاب وعدم تهويل أمر الصيام. فالكثير منهم قد صام من قبل وأدى الامتحانات، وبمقدور الإنسان أن يعمل أشياء كثيرة إذا ما وجد بيئة مشجعة محفزة. ولكن إذا ما وجد الطالب نفسه في حال من المرض والهلع أثناء أداء الامتحان ‏بسبب الصيام؛ فعلى مسؤول لجنة الامتحانات أن يُباشر بإعطائه كأس الماء وأن يفطر الطالب؛ لأن المحافظة على حياته من الأهمية بمكان، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (سورة المائدة الآية 32) ولكن على الطالب أن يدخل الامتحان وهو صائم.

‏هنا يجب أن أشير إلى أهمية دور عضو المجلس البلدي المسلم الذي عمل سفيرًا بين العلماء وموظفي الدولة وخبرائها، هذا أدى إلى التفاعل ونقل وجهة نظر مغايرة للتي عند المسؤولين. الأمر الثاني المهم أن لا يستخف الإنسان بأي سؤال يتقدم إليه من شخص فرئيس اللجنة لم يكن على علم بأهمية صيام شهر رمضان في وقت محدد.

‏نتج عن هذا أن اللجنة أقرت كل ما ورد في رسالتنا، وقدمت الشكر وتم توزيعها على كل مدارس المنطقة كتوجيهات رسمية من قبل اللجنة العُليا للتعليم في المنطقة، نسأل الله أن يحفظنا ويغفر ذنوبنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى