المقالات

المحتوى الجنسي

لا يخفى على أحد حجم المحتوى الجنسي المعروض في وسائل الإعلام الحديثة والعابرة لكل أنواع الرقابة، وأصبحنا رغمًا عنّا نرى مقاطع أو صورًا ذات محتوى جنسي، ولا تفرق بين بالغ أو طفل حتى أصبحت بعض المنصات المشهورة تسمح قوانينها بعرض هذا المحتوى الحساس بل أصبحت مقصدًا للباحثين عن الأفلام الإباحية أو ما يُسمى (بأفلام البورنو). وما تقوم به مثل هذه الوسائل هو اجتياح أبصارنا وعقولنا بمئات الصور والمقاطع ذات المحتوى الجنسي متعمدة إثارة الغريزة، وتعزيز ثقافة الإشباع السريع وتطبيع الانحلال العام من خلال الاعتياد على مثل هذه المشاهد، ومن المعلوم لنا جميعًا أن معظم رواد هذه المواقع يقعون ضمن فئة الشباب.

وفي هذه المقالة القصيرة أردت أن أسلط الضوء على بعض الآثار المعرفية لمثل هذه الأفلام والمقاطع؛ حيث تناولتها الأبحاث النفسية من السبعينيات الميلادية، وهي مرحلة الطفرة بعد أن كانت في الخمسينيات تُباع خفية وتواجه نقدًا ورفضًا من كل أطياف المجتمع وطبقاته، وسأتجاوز هنا الاختلافات حول ماهية المعيار الذي نحكم من خلاله على أن محتوى ما يُعتبر إباحيًا، وأتبنى التعريف القائل بأنه أي محتوى إعلامي ذات طبيعة جنسية يخرق قيم المجتمع وأخلاقياته وثقافته السائدة. وقد تركزت الدراسات النفسية لقياس الأُثر المعرفي على التصورات والاتجاهات والقيم؛ حيث خلصت تلك الدراسات على الجنسين مع الصعوبات المنهجية التي تواجهها مثل هذا النوع من الدراسات إلى وجود أثر معرفي جسيم عند التعرض المستمر لهذه المواد على النظرة للمرأة وقيمتها، وكذلك انخفاض الرغبة في الزواج وفي تكوين الأسرة، وأيضًا في إنجاب الأطفال وذلك للمسؤوليات المترتبة عليها في مقابل ترويج مبدأ اللذة والإشباع السريع، والتعامل مع المرأة كونها هدفًا لإشباع الغرائز لا أكثر.
كما وأشارت أيضًا بعض الدراسات إلى أنها تخلق اتجاهات أكثر تساهلًا مع الاغتصاب وأقل تعاطفًا مع الضحايا وكذلك اعتبار المرأة مسؤولة ولو جزئيًا عن ما وقع لها. وبالتالي تكوين لمناخ عام أكثر تساهلًا في تجاوز القانون إذا ضمنوا الإفلات من العقوبة. ولاحظ الباحثون أن المشاركين يتخذون موقفًا مُخففًا في الحكم الجرمي على مرتكبي جرائم الاغتصاب وتحميلهم المرأة المسؤولية، ومن الآثار التي توصلت لها الأبحاث أنه يعزز من احتمالية العنف الجنسي ضد المرأة، واعتباره مستساغًا. أخيرًا أكدت النتائج أن مثل هذه المواد تؤدي لانخفاض الثقة أخلاقيًا في المرأة، وكذلك انخفاض ثقة الرجال في قدراتهم الجنسية، ومقارنة أدائهم مع ما يشاهدونه وبالمقابل أيضًا تبني النساء مفهومًا غير صحيح عن أجسادهم وأحاسيسهم، وبالتالي تكوين صورة مزيفة وغير واقعية عن الإشباع الجنسي، ووضعه في قوالب مسبقة ومعايير تخلقها هذه الأفلام مما ينتج عنه انخفاض الرضا الزواجي. ومن الأفكار التي تروجها مثل هذه المواد هو الخطورة المزيفة للكبت الجنسي أو بعبارة أخرى (تأجيل الإشباع الجنسي)، ونسج صورة مبالغ فيها وغير حقيقية عن ضرره على الجسم.
أخيرًا لا تتسع الأسطر لطرح كامل التفاصيل والنتائج، ولكنها محاولة مني لتسليط الضوء على بعض ما تناولته الأبحاث النفسية عند دراستها لهذه الظاهرة وآثارها النفسية والاجتماعية.

– استشاري نفسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى