عدت من زيارة خاطفة لعمّان التي يطلق عليها ديار النشامى حاملة أجمل المشاعر، وتأتي لفظة “النشميّ”و”النشميّة” اسمًا وصفة، وهي نابعة من أعماق الصحاري الأصيلة؛ إذ يُوصف الفارس بالنشميّ، لما يتّصف به من الخلق النبيل والنخوة، فهي مرتبطة إلى حدّ كبير بالأخلاق الحميدة، وتذكر القصة البدويّة أنّ هذا اللفظ أُطلق على فرسان من بادية الأردنّ.
جمعت تلك الزيارة بين المتعة والفائدة والمفاجآت السارّة الشيء الكثير ممّا آ ثرت أن أنقله للقرّاء؛ لأعبّر عن بعض ما يعجز القلم عن وصفه ممّا شاهدته ولمسته في عمّان من كرم الضيافة وحسن الاستقبال، والأشدّ روعة من ذلك هو ما شعرت به من هدوء العاصمة الذي لم أرَ مثله وقد زرت قرابة ثلاثين عاصمة في العالم.
تتفرّد الأردنّ بطبيعة جغرافيّة جاذبة ومتنوّعة، ما بين صحارٍ واسعة، وسهول فسيحة، ومرتفعات جميلة، تتربّع عمّان على عدة جبال ترتفع عن سطح البحر قرابة (750) مترًا، ومتوسط ارتفاع جبالها السبع الأولى التي أُنشئت عليها (918) مترًا ممّا أكسبها طبيعة مميّزة لم أرَ لها مثيلًا في حياتي. وعلى الرغم من أنّ تلك الزيارة كانت في شهر أغسطس آب – وهو أشدّ أشهر السنة حرارة في معظم عواصم العالم، بل وحتى عواصم أوربا وأمريكا الشمالية- إلّا أنّه كان لطيفًا للغاية وقت زيارتي.
لم تكتسِ عمّان باللون الأخضر في فصل الربيع كما ذكر لي أهلها؛ حيث تسقط أشعة الشمس عليها بشكل عموديّ، ولم يؤثّر ذلك على شعوري بجمال طبيعتها وجاذبيتها؛ ربّما لما لمسته من الترحيب وكرم الضيافة في كلّ مكان ذهبت إليه. كان الجميع مضيافًا مبتسمًا بشكلّ مذهل. لم أشاهد رغم صعوبة الوضع الاقتصاديّ والغلاء المعيشي أيّ منظر لا يتناسب مع هذه المدينة العربيّة الشهيرة على مرّ العصور بكرم أهلها وعزّتهم وكرامتهم ممّا أدهشني حقًّا. والحقيقة أنّ أبرز ما يجذبني لأي مدينة أزورها أمران هما: طبيعة المكان وأخلاقيات ساكنيه. وقد جمعتهما عمّان من أول زيارة، فكانت المدينة الراقية ذات المميّزات التي لا يمكن تجاوزها.
لفت نظري في عمّان نظافة شوارعها وطرقاتها، وعدم وجود متسوّلين فيها رغم الوضع الاقتصادي الصعب، وهما أمران متفشيان بقوّة في كلّ عواصم أوربا، وبالذات في المناطق السياحيّة، رغم أن زيارتي لعمّان كانت في عطلة نهاية الأسبوع، ولا شك أنّ نظافة الشوارع من عوامل جذب السيّاح وخاصّة لسائحة جديدة مثلي. كما تميّزت الأماكن التي زرتها بهدوء كبير؛ فلا ضجيج ملفت بالنسبة لوسط المدينة كما هو الحال في العديد من العواصم الأخرى.
ولأنّ البشر هم رأسمال كلّ مدينة، ولأنّ أهل عمّان نشامى بحقّ، فقد استقبل الجميع زائريهم من المملكة الشقيقة- وكنّا أربع سيّدات- بأجمل ترحيب، وأصدق ابتسامة واحترام. خرجت من عمّان عائدة إلى بلادي وشعرت بأنّني عدت بخبرة جميلة عن مدينة حالمة راقية نظيفة تحتضن زائريها بكلّ ودّ، وتودّعهم بكلّ تقدير. ووجدت لساني يتغنّى بأبيات خالدة:
بلادُ العُربِ أوطاني
منَ الشّامِ لبغدادنِ
ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ
إلى مِصرَ فتطوانِ
فلا حدٌّ يباعدُنا
ولا عدو يفرّقنا
لسان الضَّادِ يجمعُنا
بغسَّانٍ وعدنانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَتْ
سنُحييها وإنْ دُثرَتْ
ولو في وجهنا وقفتْ
دهاةُ الإنسِ والجانِ
فهبوا يا بني قومي
إلى العـلياءِ بالعلمِ
وغنوا يا بني أمّي
بلادُ العُربِ أوطاني
– جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل