هو ليس ضد الفكرة بتاتا، بل لديه إصرار على تنفيذها، فقط يريد طريقة مريحة – هكذا زعق الصوت بداخله -، بعد أن استقر على الخلاص والراحة كما يظن، وكما نصحة من اعتبره أستاذه ومثله الأعلى، الذي كثيرا ما حضر وقائع نزاعاته مع امرأته الفاتنة، والمتجبرة في آن.
قارَنَ بين أكثر من طريقة جربها سابقوه، وبين طرق جادت بها بنات أفكاره، والمشكلة أنه لا أحد من المجربين عاد، ليخبره ٱي الطرق كانت أسهل وأمتع.
أمتع؟!!
ما هذا الكلام؟ وهل للموت طرق سهلة وممتعة، وأخرى صعبة؟
بالطبع قد تتعدد الطرق، لكنه يبقى واحدا، الموت موت، والفعل مات لا يمكن التعجب منه، فلا تفاوت فيه ولا درجات…، لكنه لم يعد يرى أمامه، سوى الاستجابة لصوته الداخلي اللحوح…ولكن كيف؟
أقنع نفسه أخيرا، بطريقة يظنها سريعة وغير مكلفة؛ لا يعوزه فيها إلا زجاجة بنزين، وعود ثقاب أو ولاعة، وينتهي كل شيء.
كان يقيم وحيدا، منذ استولت امرأته على طفليه، وتركته كقرد لا صاحب له، بعد تشكيكها في قواه العقلية، وفي أبوته للطفلين.
سمكر الباب من الداخل جيدا، دلف إلى حجرة الصالون المذهَّب، ليكون آخر ما يراه من الدنيا، استقر قليلا فوق الكنبة الكبيرة الفخمة، تحسست قدماه الحافيتين وبَرة السجادة تحتهما، ستمتد النيران إلى سائر الشقة، بعد اشتعال تلك السجادة، سيسيح مكونها الصناعي، ليحرق كل الحجرات، بعد قضاء الدخان والنار عليه.
انتفض واقفا، نحى منضدة الصالون جانبا، وقف في مركز الحجرة تحت النجفة الثمينة، التي استدان ليحقق رغبة امرأته في امتلاكها، كانت صورة زفافهما معلقة في مواجهته، باغتته امرأته بإخراج لسانها له، ثم لعبت حاجبيها، زاعقة فيه: مت أيها المجنون.
فتح زجاجة البنزين، أخرج ولاعته من جيبة، جربها عدة مرات، تأكد من قدرتها على الإشعال، أشاح بوجهه عن وجه امرأته، ففاجأته صورة أمه المرحومة، المعلقة على جدار آخر، تحاول القفز خارج إطار الصورة، وهي تصرخ باكية: لا زال عقلك يزن بلدا، إياك إياك أن تفعل.
– لكن…
– لا تقل: لكن…إياك إياك.
ملأ تحذيرها أذنيه، امتدت يده آليا، لتغلق زجاجة البنزين، ومن النافذة المطلة على النهر، ألقت بها بعيدا، ثم تكوَّم بأقرب ركن، وانخرط في النحيب.