اقتصادالمقالات

وفاء وإخلاص الكلاب!!

كتاب بعنوان: «تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب»، لمؤلفه “أبي بكر بن محمد بن المرزيان” المتوفي عام 309 هـ؛ الكتاب يذكر ما قيل في الكلب من وفاء وإخلاص في أقوال الشعراء والحكماء والرواة.
الكتاب يضم بين طياته مجموعة من أبيات الشعر التي تستشهد على فساد المودة بين الناس، وكثرة الخيانة والغدر، التي كانت سائدةً في عهد الدولة العباسية، أيام المقتصد، والمكتفي، والمقتدر، وأبيات أخرى وردت في مدح الكلب وبيان صفاته، من إخلاص، ووفاء.
جمع ابن المرزيان ما جاء في فضل الكلاب فذكر (84) بيتًا من الشعر في ذلك، وقد أنشدها الحسن بن عبد الوهاب، وأبو العباس الأزدي؛ وروى عن بعضهم أنه قال:
اشدد يديك بكلب إن ظفرت به…فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا
أما القصص فقد ذكر حوالي (24) قصة في وفاء الكلب الذي يموت على قبر صاحبه، أو ينقذ صاحبه من الموت، أو يكشف عن القاتل، أو يحمي أطفال أصحابه، أو في حماية قافلة الحج من اللصوص، إلى آخره من القصص؛ وهنا أقتبس بعضًا مما أورده المؤلف:
روي أن رجلًا قال لبعض الحكماء: أوصيني، فقال له: ازهد في الدنيا ولا تنازع فيها أهلها، وانصح لله -عز وجل- كنصح الكلب لأهلهِ، فإنهم يجيعونه، ويضربونه، ويأبي إلا أن يحوطهم نصحًا.
وذكر بعض الرواة:
كان للربيع بن بدر كلبٌ قد رباه فلما مات الربيع ودفن، جعل الكلب يتردد على قبره حتى مات.
وكان لعامر بن عنترة كلاب صيد وماشية، كان يحسن صحبتها، فلما مات عامر لزمت الكلاب قبره حتى ماتت عنده، وتفرق عنه الأهل والأقارب.
وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى الذي ولد وتوفي في البصرة لبعض الشعراء:
يُعرج عنه جارهُ وشقيقهُ…وينبش عنه كلبه وهو ضاربه
قال أبو عبيدة قيل هذا الشعر في رجل من أهل البصرة خرج إلى الصحراء ينظر ركابه؛ فتبعه كلب له فضربه وطرده وكره أن يتبعه فرماه بحجر فأدماه، فأبى الكلب إلا أن يتبعه. فلما صار إلى الموضع الذي يريد فيه الانتظار، ربض الكلب قريبًا منه، ووثب به قوم كانت لهم عنده ثأر، وكان معه جارٌ له وأخ فهربا عنه، وتركاه وأسلماه، فجرح جراحات كثيرة ورموا به في بئر غير بعيد القعر، وحثوا عليه التراب حتى واروهُ ولم يشكوا في قلوبهم أنه قد مات والكلب مع هذا يهجم عليهم وهم يرجمونه، فلما انصرفوا أتى الكلب إلى رأس البئر، فلم يزل يعوي ويحثوا التراب بمخالبه حتى ظهر رأسه وفيه نفس يتردد، وكان قد أشرف على الموت ولم يبقَ منه إلا حشاشة.
فبينما هو كذلك إذ مره أناس فأنكروا مكان الكلب ورأوه كأنه يحفر عن قبر فنظروا فإذا هم بالرجل على تلك الحال، فأخرجوه حيًّا وحملوه إلى أهله، فزعم أبو عبيدة أن ذلك الموضع يدعى بئر الكلب.
وأختم بالتالي:
حدثنا عبد الرحمن، قال القحطبي أخبرنا بعض الرواة قال: بينما أنا يومًا على بئر مملوء بالماء قاعد، وذلك في أشد ما يكون من الحر، وإذا بجارية سوداء، تحمل جرة لها، فلما وصلت إلى البئر، وضعت جرتها ثم تنفست الصعداء، فقالت: أي حر من بعد هذا أضر؟ وملأت الجرة وانصرفت.
فلم ألبث إلا يسيرًا، حتى جاء أسود، ومعه جرة، فوضعها بحيث وضعت السوداء جرتها، فمر به كلب أسود، فرمى إليه رغيف كان معه وقال:
أحب لحبها السودان حتى…أحب لحبها سود الكلابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى