كان الأديب جالسًا في زاوية المقهى، يتأمل صفاء الكأس أمامه، مغرماً بأفكاره التي لا تنضب، وبينما كان يمسك قلمه، مستعداً لتسجيل وحي جديد، رأى فجأة كوز البطاطا الذي وضعه النادل بجواره كجزء من طلبه.
لم يكن يتوقع أن يجذب كوز البطاطا هذا انتباهه، لكنه بدأ يتأمل في تلك القطعة الصغيرة من الطبيعة، بتجاعيدها الخشنة وصمتها المستفز.
فجأة، وكأنه قد استحضر حواراً سرياليًا، تخيل الأديب أن كوز البطاطا بدأ يتحدث معه. ابتسم الأديب ساخراً: “يا إلهي! هل أصبحت خيالاتي خصبة إلى هذا الحد؟”
لكن البطاطا ردت، بصوت هادئ مفعم بالحكمة: “لمَ السخرية يا أديب؟ أليست الحياة كلها مجرد سخافات تزينها كلماتك الرنانة؟”
تفاجأ، لكنه استمر في الحوار. “وماذا تعرفين عن الكلمات، يا البطاطا؟ أنت مجرد قطعة أرضية تُزرع وتؤكل.”
ردت ببساطة: “ربما. لكنني لا أدعي الحكمة، ولا أكتب نصوصًا ملحمية حول معنى الحياة، ومع ذلك، يقدرني الناس لأنني ببساطة أكون ما أنا عليه. أما أنت، فتخوض معاركك مع الكلمات وتدور حولها وكأنك تتجنب مواجهة الحقيقة المباشرة.”
رد بحدة: “الحقيقة هي ما أبحث عنه! إنها في الأدب، في الفن، في كل تلك الأفكار العظيمة التي نتحدث عنها.”
هزت البطاطا قشرتها قليلاً وكأنها تضحك. “الحقيقة؟ الحقيقة قد تكون أبسط مما تتخيل. أن تكون أنت. أن تكون حقيقيًا، مثلما أكون أنا كوز البطاطا بلا ادعاءات.”
شعر الأديب، لأول مرة منذ سنوات، بأن هناك شيئاً ما يتردد في نفسه. صمت لبرهة طويلة، ثم همس بهدوء: “ربما أنت محقة.”
وفي تلك اللحظة، أدرك أن الكلمات ليست دوماً طريقاً للحكمة. أحياناً، تكون الحكمة في الصمت، في البساطة، وفي كوز بطاطا لا يحاول أن يكون أكثر مما هو عليه.