نستهل هذا الأحد الأسبوع الخامس من بداية الفصل الدراسي الأول لهذا العام، ولا زالت تنهيدات التعب لقطة ختام اليوم الدراسي، وكأن الوقت يجري جريًّا ونجري خلفه طمعًا باللحاق به أو مواكبته على أقل تقدير دون فائدة، وخير ما يلطف توتر تفاصيل هذا اليوم هاجس أو ربما دعوةٌ خفية بأن لا يكون نصيبنا من هذا الجهد التعب الجسدي فقط، وأن تأتي ثماره مُثْلِجةً للصدر آخر العام.
تعود إلى منزلك وقد حططت رحال عملك على عتبات المنزل -إن استطعت إلى ذلك سبيلا- وأنت ترتدي قبعة الإنسان غير العامل لتعيش تحت سيطرتها طوعًا؛ “لتتشافى” أو تتعافى أو ترمم ذاتك كما ترمم العضلات ذاتها بعد جهدٍ عضلي في طور تكوين بنية عضلية متينة. وما أن يسحرك هذا الهاجس وتتدثر في فراش قيلولتك كجزء من عملية “التشافي” تلك حتى يشدك عالم شبكات التواصل لتتابع جديده عبر منصاته المختلفة بنصف أو بربع تركيز حتى يكمل عقلك تخديره لينام لبضع دقائق، أو لسويعات حسب إتاحة الوقت والظروف.
في خضم هذا البحث الكسول؛ تستوقفك أحيانًا منشورات مرئية أو مكتوبة تجعل تركيزك يتضاعف، وعقلك يتفاعل معها بشكل يصدمك أحيانًا. فمن متذمر، إلى ناقم، إلى ساخر خجول يواري سوءة بؤسه بدعابات ترسم بسمتك رغم كارثيتها إلا أنها تترك آثار في عقلك المخدر نصف النائم، بل قد تجعل من قيلولتك خيارا غير مطروح في هذه اللحظة.
تلك المنشورات بشكل عام، ربما كان وقوع عينيك عليها بسبب قائمة متابَعِيك الذين اخترتهم انتقاءً أو عشوائيا ذات يوم، أو ربما تحدثت أثناء فتحك لمنصة تستخدم التتبع الصوتي، والاقتراح الذي يقوم به الذكاء الاصطناعي، فتقترح عليك ما يواسي بؤسك، وما يوازي تذمرك الدائم، وكأنما تغذيك بما تغذيها، وتسقيك بما تسقيها.
ماذا لو اكتفينا بأداء مهامنا اليومية كما ينبغي، واعتمدنا المكافآت التقديرية لذواتنا، ولو كان ذلك امتنان صغير للإنجازات الصغيرة، ولو كانت بانتهاء يوم بقائمة مهام منجزة، أو عناق طفلة صغيرة، أو ابتسامة بريئة تجمل يومك حتى آخره. وماذا لو ابتعدنا عن تلك المنشورات التي تقوض عزيمتنا، وتنهك أعماق ثباتنا بمقاومتها، وتؤذينا بتكرار محتواها، ثم بالتالي تؤثر على إنتاجياتنا، ثم نعاني مما يسمى “احتراقًا وظيفيًّا” الذي ربما لم نسمع به إلا صدفةً في منشور؟
“خُلق الإنسان في كبد” … تلك حقيقة نعلمها يقينًا، فلمَ لا نعمل في ضوء الحقيقة تلك، نتعلم، فنعلم، فنعمل، والدائرة تعود لتدور، وفي نهاية المطاف ثم إنجاز يذكر فيشكر، وثمة إنجازات صغيرة قد لا يلتفت إليها أحد حدثت أثناء الرحلة لا في نهايتها، فلا تنتظر حتى نهاية الرحلة لتستمع بما أنجزت وقد أخذ منك الإنهاك مبلغه، ابدأ الآن واستمتع بما لديك حتى وإن بدا لك مضنيا.
0