لماذا يذهب بعضنا للمنتزهات والشواطئ ثم يتركها وهي مليئة بالقاذورات والأوساخ ولا يكلف نفسه أن يجمعها ويلقيها في الأماكن الخاصة بذلك؛ لنعكس صورةً جميلةً وراقية عن ديننا وبلدنا وأنفسنا؟!
لماذا يصر بعضنا أن يجبر من حوله من السيارات والناس أن يسمعوا وينصتوا لما يبثه من أصوات عالية جدًّا من مسجل سيارته وبشكل مُزعج، ولا يفكر أن هناك من هم مرضى وكبار السن بل إن هناك من لا تعجبه هذه الأصوات ولا يود سماعها؟!
لماذا يرمي بعضنا أحذيتهم أمام أبواب المساجد وبشكل غير لائق بالرغم من وجود أماكن خاصة للأحذية؟!
لماذا يصر بعضنا أن يرتدي ملابس النوم أو البناطيل القصيرة أو ملابس غير لائقة وهو ذاهب للمسجد ولو أنه كان على موعد مع رئيسه في العمل أو في مناسبة مهمة له لأرتدى أحسن الثياب وأفضلها وأجملها؟!
لماذا نتكلم أحيانًا بصراحة ممزوجة بعدم احترام أو تقدير أو أدب مع أصدقائنا وأقاربنا وأهل بيتنا دون اعتبار لعلاقة أو صداقة أو لياقة ولباقة؟!
لماذا نعمل معروفًا وجميلًا لأناس ثم نذكرهم بذلك الجميل والمعروف باستمرار في كل مجلس، ولو بعد حين وزمان طويل؟!
لماذا نقحم أنفسنا في مجالس الناس وبشكل مستمر من تلقاء أنفسنا دون استئذان واعتبار لوقت بل وندعو أنفسنا وأصدقاءنا لبيوت الآخرين؟!
لماذا عندما نزور الناس في بيوتهم ننتقد ونعيب أكلهم وشرابهم وبيوتهم وأجهزتهم وأثاثهم وتسأل عن هذا وذاك ولماذا عملتم هذا ولم تعملوا ذلك؟! ونطيل الجلوس إلى أوقات متأخرة قد تكون مُزعجة لأهل البيت.
لماذا عندما نزور مريضًا نختار الوقت المناسب لنا، ونطيل الجلوس عنده ولا نراعي حالته وظروفه الصحية؟!
لا أدري إن كان لديكم تفسير وإجابة لهذه التساؤلات والمظاهر التي ذكرتها آنفًا. لكنني ربما لا أجد إجابة أوضح وأقرب للمنطق من قلة الذوق العام في كثير من تصرفاتنا وسلوكياتنا في الأماكن العامة ومع الآخرين .
أعتقد نحن بحاجةً إلى الارتقاء بأذواقنا وأخلاقنا في سائر تصرفاتنا وسلوكياتنا مع بعضنا ومع الآخرين.
فالذوق حسب تعريف علماء اللغة هو آداب السلوك التي تقتضي معرفة ما هو لائق أو مناسب في موقف اجتماعي معين، وديننا يحثنا على الأدب والأخلاق والذوق في كل تصرفاتنا وسلوكياتنا.
فعلّمنا ديننا الاستئذان عند دخول بيوت الناس كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(سورة النور الآيتان 27، 28).
وحذرنا ديننا الكريم من عدم إيذاء المؤمنين وإزعاجهم فقال تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)(سورة الأحزاب الآية 85).
وعلّمنا ديننا وحثنا على لبس أحسن الثياب عند الذهاب إلى المساجد؛ قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(سورة الأعراف الآية 31) كما جاء في الحديث الشريف: “إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ”.
وأما جمال القول وحسن الكلام والبُعد عن الصراحة غير المنضبطة بأدب وذوق؛ فهناك توجيه كريم بذلك قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (سورة البقرة الآية 83).
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي في تعريف الذوق أنه: أدبيات التعامل مع الناس، جمال التعامل بأشكاله المتعددة، النفس المرهفة الجميلة، الموقف الجميل.. التصرف الجميل. الحركة الجميلة اللمسة الجميلة الكلمة الجميلة، جمال النظام. جمال النظافة جمال الأناقة، جمال التناسق والانسجام، جمال في البيت جمال في مكان العمل، جمال في الطريق جمال في الأماكن العامة، ونقصد بالذوق النفس الشفافة التي تفهم الخطأ، وتقدر وقوعها فيه من نظرة العين، وابتسامة الوجه” انتهى كلامه .
فلنحرص على الرقي بأذواقنا وأخلاقنا وتعاملنا مع الناس حتى يكون مجتمعنا مجتمعًا راقيًا متحضرًا، يسوده الأدب والأخلاق، ونعيش حياة راقية سعيدة.