المقالات

قصة (المعلم) الكسائي!!

شيخ القراءة واللغة والنحو الإمام “أبو الحسن عليُّ بن حمزةَ الكسائي”؛ ولد في إحدى قرى الكوفة سنة 119هـ، ولقب بالكسائي لأنه كان في الإحرام لابسًا كساء، قال عنه الإمام الحافظ اللغوي “أبو بكر الأنباري”: “اجتمعت في الإمام الكسائي أمور: كان أعلم الناس بالنحو، وأوحدهم بالغريب، وكان أوحد الناس بالقرآن، فكانوا يكثرون عليه، حتى يضطر أن يجلس على الكرسي ويتلوا القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون منه ويضبطون عنه”.
كانَ الإمام “الكسائي” مربيًا ومؤدِّبًا لابني خليفة المسلمين “هارون الرشيد” وهما “الأمينِ” و”المأمون”، وكانتْ له جلالةٌ وهيبةٌ، وبعد انتهاء الدرس في أحد الأيام، قام الإمام “الكسائي” من مجلس الدرسِ؛ فابتدرَ “الأمين” و”المأمون” إلى نعليه كلٌّ يريد أن يقدمهما له، فتنازعا فيمن يفعل ذلك، ثم تراضيا أن يحمل كل منهما نعلًا واحدةً فيجعلها عند قدمِ الكسائي! فبلغ ذلك الخليفةَ “هارون الرشيد”، فدعا الإمام “الكسائي” يومًا فقال له: من أعزُّ الناس؟ قال “الكسائي”: ما علمتُ أعزّ من أمير المؤمنين، فقال له الرشيد: بلى، إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليَّا عهد المسلمين، حتى يرضى كل منهما أن يقدم له واحدة، فعندها ظن الكسائي أن ذلك أغضب الخليفة “هارون الرشيد”! فاعتذر الإمام “الكسائي”، فقال له الخليفة “هارون الرشيد”: لو منعتهما لعاتبتك فإن ذلك رفع من قدرهما”.
هذه القصةُ العجيبة تكشفُ مقدار ما كان للمعلمِ من هيبةٍ وإجلالٍ وتقدير، ولا شك أن مردَّ هذه الهيبة إلى أمرين: أولهما: شخصية المعلم نفسه، وما له من رسوخ علميّ، وامتيازٍ تربويّ. وثانيهما: أدب الطالب، وحسن تربيته، وتحليه بالأخلاق الرفيعة.
ذكرتْني هذه القصة كما كان جيلنا في السابق حفيًا بأساتذته مبالغًا في إجلالهم وتقديرهم واحترامهم، حتى إن أحدنا ليمتنعُ عن التحديق في أحدهم إجلالًا وتقديرًا.
كما ذكرتْني بكوكبةٍ من الأساتذة العظام الذين درستُ على أيديهم، والذين رأيتُ فيهم نماذج مشرقةً للأستاذ المربي، والمعلم (الموسوعيّ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى