منتدى القصة

زيارة.. لوسط البلد

حكاية

(هناك مدن نحبها..ومدن نعشقها ..ومدن نرتاح إليها ونطمئن إلى حضنها..ومدينة جدة….إحداها).

لا يدري كيف نبعت الفكرة في رأسه.. ولكنه حين أخبر والدته بعد عودتهما من جولة سريعة لوسط البلد وافقته بسرعة، وهي تقول له: من الأفضل أن تخبر والدك فهو واسع الفكر، وقد يرشدك إلى الطريقة المُثلى لتحقيقها .. حينما جاء المساء وهم يتناولون طعام العشاء فاتح أبيه في الموضوع ..قال له أبوه دون تردد نعم .. نعم ..فكرة رائعة يا بُني …وراح يفكر وهو يمسح جبهته ثم قال: اسمع يا بُني يمكنك أن تكون مرشدًا سياحيًّا فهذه الإجازة الصيفية قد أقبلت والعطلة المدرسية بدأت .. وأمر ممتاز أن تستغل وقتك في شيء مفيد ..ثم أردف.. زوّار مدينة جدة والسياح بدأوا يتوافدون عليها من كل مكان .. إني أعرف هذا بحكم عملي في المطار … أظنها فكرة جيدة .. جيد جدًّا أن تكون مرشدًا سياحيًّا ! ولكن دعنا نسأل عن كيفية الحصول على الترخيص لشاب في مثل سنك؛ ليقوم بهذه المهمة … وكذلك نفكر كيف نحصل على المعلومات التي ستقولها للسائحين الذين ستقوم بخدمتهم .. قالت أمي مبتهجةً: دعوني أساعدكم.. إنني أعرف إحدى زميلاتي في المدرسة أخوها يعمل في إحدى شركات السياحة .. وربما يُساعدنا .. اتصلت أمي بزميلتها التي ردت عليها بعد دقائق أن أخاها سيكون في انتظارنا غدًا صباحًا في المكتبة .. على الموعد كُنا في مكتب الأستاذ نبيل الذي رحّب بنا .. وأثنى على شاب صغير مثلي أن يفكر في الاستفادة من وقته ومضى يشرح لي ولوالدي ماذا يجب علينا أن نفعله؟! وقال لي سأعطيك كتابًا صغيرًا يحتوي على معلومات مبسطة عن الأماكن التي يرتادها زوّار البلد لتتعلم منه ما ينبغي له أن تقوله لهم ..قال والدي وهو يشكر الأستاذ نبيل .. من يوم غدٍ سنقوم بجولة تدريبية لمدة أسبوع في كل الأماكن.. فعلى أرض الواقع تجري الأمور بسرعة، وأردف قائلًا وهو يضحك عاليًا.. ولا تنسَ أن أبي وجدي عاشا هنا ولنا في حارة اليمن بيت قديم ..قال الأستاذ نبيل..- حسنًا اتفقنا وفي الأسبوع القادم نلتقي هنا لنبدأ العمل سويًّا .. في اليوم التالي بدأت جولتنا التدريبية مع أبي وشاركتنا أمي وأختي الكبيرة لبعض الوقت …وفي نهاية الأسبوع عرفت أن مدينة جدة بموقعها الساحلي الجميل على البحر الأحمر وقد احتضنت زرقة البحر ووهج الشمس.. هي عروس المدن القديمة وأن أسوارها وبوابتها الأربع قد بُنيت منذ القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، واستمرت حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري “العشرون الميلادي” كما عرفت جملة من القصص الممتعة عن حواريها وأهلها.
وأن أحد مساجدها التاريخية…. وهو مسجد الشافعي العتيق..تمَّ بناؤه في عهد خلافة عمر بن الخطاب ويبلغ عمر أعمدته الرخامية وأحجاره المنقبية نحو 1400 عام، ومئذنته نحو 850 عامًا..وهو مسجل كتراث عالمي في منظمة اليونسكو..أما بيوتها القديمة التي لا يزال بعضها يحتفظ بكل مقومات الجمال المعماري منذ إنشائها فيعود تاريخ بنائها إلى قرابة 420 عامًا، وقد شُيدت بطريقة هندسية دقيقة تساهم في خفض درجات الحرارة وتحافظ على مناخ معتدل لطيف لسكانها..ومن أشهر أسواقها التاريخية سوق العلوي…وسوق البدو..وسوق قابل وسوق الندى وسوق الخاسكية وغيرها من الأسواق التي تتنوع ..معروضاتها … وفي الأسبوع التالي انطلقت للعمل مع الأستاذ نبيل .. في البدء كان الأمر صعبًا .. وكنت متلعثمًا ومرتبكًا وأنا أشرح لأول سائحين رافقتهم في أول جولة لي.. ولكنني واصلت القيام بدور المرشد السياحي .. وكم كانت فرحتي كبيرة والأستاذ نبيل يمنحني بعض النقود. مكافأة لي. لم يكن المبلغ كبيرًا، ولكنني شعرت بسعادة غامرة وأنا أتناوله منه .. في إحدى الأمسيات كلفني الأستاذ نبيل بمرافقة أسرة مؤلفة من أب وأم .. وبصحبتهما ولدان وبنت كان أكبرهما في مثل سني .. بعد جولة شاهدوا خلالها الكثير من معالم جدة التاريخية .. كانت السيدة تبدو مسرورةً، وكان ولداها وابنتها مندهشين مما رأوا.. قالت لي الأم وهي تُداعب شعري سائلة عن اسمي. فأجبتها اسمي {مصعب}… وسألني زوجها هل أنت طالب؟ قلت له نعم. إنني في المرحلة المتوسطة وفي العام المقبل أذهب إلى المرحلة الثانوية- بإذن الله- ..حيّتني السيدة بحرارة ووضعت مبلغًا من المال في جيبي ..وهي تقول لي كم أنا سعيدة وفخورة بك .. هذه هدية منّا لك. ثم مضت مع أسرتها….أدخلت يدي في جيبي وعندما أخرجتها صحت مندهشًا “أنظر.. إنها خمسمائة ريال..إنه مبلغ كبير قليل هم الذين يصنعون ذلك”، كانت يداي ترتعش وأنا أتحسس الورقة النقدية وأردد: مستحيل. هذا مبلغ مالي كبير لا بد أن السيدة الطيبة أخطأت..لا بد أن أسرع لأرد لها المبلغ قبل أن تغادر المكان هي وأسرتها.
قال لي الأستاذ نبيل ولِمَ لا تحتفظ به.. إنه هدية .. رددت عليه وأنا أجري مسرعًا لألحق بهم.. لو احتفظت بالمبلغ لكان ذلك مالًا حرامًا .. وأخذه من شخص أخطأ هو كالسرقة .. توقفت السيدة وأسرتها في مكانهم عند رؤيتي.. قلت لها وأنا أمد يدي بالورقة المالية عفوًا يا خالة يبدو أنكِ أخطأتِ لقد أعطيتني خمسمائة ريال وهو مبلغ كبير .. قالت السيدة وهي تحتضنني وتقبّل رأسي لم أخطئ يابُني .. بل هي هدية بسيطة لشاب جميل ونبيل مثلك .. وقال زوجها .. وهو يضحك عاليًا: احتفظ بالمبلغ يا بُني، وهذه خمسمائة أخرى هدية مني تقديرًا لأمانتك .. أيها الرجل الصغير….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com